“الرمال السوداء”.. ثروة تفتح أبواب المستقبل للصناعات التكنولوجية

تمتلك مصر واحدًا من أعظم الكنوز الطبيعية في العالم، وهو احتياطي الرمال السوداء، الذي يُقدّر بنحو 65% من الاحتياطي العالمي، لتتصدر مصر دول العالم في هذه الثروة المعدنية النادرة.
وتعد الرمال السوداء من أهم مصادر المعادن الاستراتيجية، التي تدخل في صناعات تكنولوجية دقيقة كهياكل الطائرات والصواريخ والسيارات والإلكترونيات، إلى جانب الذهب واليورانيوم المشع والزركون.
هذا الملف يحظى باهتمام حكومي متزايد منذ عام 2016، مع تأسيس الشركة المصرية للرمال السوداء، بالإضافة إلى دعم البحث العلمي من أجل تعظيم الاستفادة من هذه الثروة، وتقدّر مساهمة هذه المشروعات في الناتج القومي خلال السنوات المقبلة بما يتراوح بين 5 و10 مليارات جنيه.
كنز استراتيجي
ويقول الدكتور أحمد زكريا، خبير الثروة المعدنية، إن الرمال السوداء تحتوي على أكثر من 40 عنصرًا معدنيًا، منها الذهب، واليورانيوم المشع، والزركون، والمونازيت، وتُعد مصدرًا رئيسيًا لصناعات متعددة مثل السيراميك، الدهانات، مكونات الإشعاع النووي، وهياكل الطائرات والصواريخ.
وأضاف أن الثروة المعدنية باتت تمثل مكونًا مهمًا في الناتج القومي، مشيرًا إلى أن الدراسات العالمية أكدت تقدم مصر في امتلاك احتياطي ضخم من الرمال السوداء، نجحت في استغلاله من خلال بنية تحتية وتشريعية قوية، خصوصًا بعد صدور قانون الثروة المعدنية رقم 145 لسنة 2019، الذي نظّم عمليات الطرح والاستثمار في هذا المجال الحيوي.
وأوضح زكريا أن مصر تمتلك أكثر من 10 مواقع غنية بالرمال السوداء على سواحلها الشمالية، من رشيد حتى العريش، وتتمتع بتركيزات عالية من المعادن يمكن أن تحقق عوائد استثمارية ضخمة إذا ما تم استغلالها بالشكل الأمثل، مع ضرورة تحفيز القطاع الخاص المحلي والأجنبي لضخ استثمارات جادة في عمليات الاستخراج والمعالجة.
مصدر واعد للذهب
من جانبه، أكد المهندس حسن بخيت، وكيل وزارة البترول الأسبق للثروة المعدنية، أن الرمال السوداء تعد أحد أهم الموارد الاستراتيجية التي تمتلكها مصر، مطالبًا بالمزيد من الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في فصل المعادن مثل الذهب، الذي يمكن أن يضع مصر في مقدمة الدول المنتجة له خلال السنوات القادمة.
وأشار إلى أن جهود الحكومة، بما في ذلك تعديلات قانون الثروة المعدنية، أسهمت في خلق بيئة تشريعية محفزة، وأثمرت عن توقيع اتفاقية تعاون بين هيئة المواد النووية والشركة المصرية للرمال السوداء، بهدف إقامة صناعات تكميلية تقوم على معالجة المعادن النادرة، وتُسهم في زيادة الدخل القومي وتوفير العملة الصعبة.
وأشاد بخيت بالمشروعات القومية الكبرى التي أقيمت في محافظة كفر الشيخ، خاصة في منطقتي بلطيم والبرلس، بالتعاون مع شركاء أجانب من الصين وأستراليا، إلى جانب جهاز الخدمة الوطنية، لتأهيل المناطق وتدريب الكوادر على أحدث تقنيات التنقيب والمعالجة.
كما أشار إلى استيراد كراكة هولندية متطورة تعمل بالطاقة الكهربائية، بقدرة إنتاجية تصل إلى 2500 طن في الساعة، وتم تفكيكها وتجميعها داخل مصنع الركاز، لتبدأ أعمال التنجيم الفعلي خلال العام الماضي.
تكوين جيولوجي فريد
وشرح بخيت طبيعة الرمال السوداء، موضحًا أنها رواسب شاطئية ناتجة من تفتت الصخور النارية والمتحولة في هضبة إثيوبيا، وجبال الدرع النوبي، وترسبت بفعل فيضانات النيل على مدار آلاف السنين في 10 مواقع رئيسية من رشيد إلى دمياط، وعلى طول ساحل البحر المتوسط.
وتضم هذه الرمال معادن نادرة وثقيلة تتركز بفعل التيارات البحرية، وتُستخدم في صناعات دقيقة. وتُعد مصر، إلى جانب الهند والبرازيل، من أهم الدول التي تستغل الرمال السوداء صناعيًا.
أكبر احتياطي في العالم
وأكد بخيت أن الدراسات الجيولوجية في كفر الشيخ، كشفت عن وجود 250 مليون طن من الرمال السوداء، إلى جانب احتياطي يقدّر بـ200 مليار متر مكعب، لتتصدر مصر التصنيفات العالمية في هذا المجال.
وأشار إلى أن جامعة كفر الشيخ أجرت أبحاثًا تطبيقية مهمة لاستخدام العناصر المفصولة من الرمال السوداء في مجالات النانو تكنولوجي والصناعات الإلكترونية، بما يضع مصر على طريق ثورة صناعية جديدة.
واختتم بخيت حديثه بالإشارة إلى أن الشواطئ المصرية، الممتدة من رشيد إلى رفح بطول 400 كم، تحتوي على مساحات شاسعة من الرمال السوداء، التي لا تُقدَّر بالكمية فقط، بل تُحسب وفقًا للكثافة ونسبة المواد المشعة في كل عنصر، ما يمنح مصر ميزة تنافسية كبيرة من حيث سهولة فصل المعادن بتكلفة منخفضة نظرًا لتركيزها في “الحجر الحبيبي”.