
مصر تستعيد زمام المبادرة في قطاع البترول بسداد متأخرات الشركات
تحقيق شيرين نوار
اتخذت الحكومة خطوة استراتيجية تهدف إلى دعم قطاع الطاقة، وتحفيز الشركات الأجنبية على مواصلة توسعها في أعمال التنقيب والإنتاج، حيث شرعت في سداد جزء كبير من مستحقات هذه الشركات، وذلك ضمن خطة متكاملة تتضمن تقديم حوافز اقتصادية جديدة، وجدولة زمنية واضحة لتسوية المتأخرات، بهدف تعزيز مناخ الاستثمار في هذا القطاع الاستراتجيي شديد الأهمية
وبينما سددت الحكومة في مارس 2024، نحو 20% من مستحقات الشركات، ثم ارتفعت النسبة إلى 25% خلال يوليو 2024، فإنها سددت في مايو 2025 أيضًا 1.2 مليار دولار، كما سمحت للشركات الأجنبية بتصدير جزء من إنتاج الغاز الجديد، بهدف توفير عائدات إضافية لسداد المستحقات.
وبعد هذه الخطوات المهمة على طريق السداد، انخفض إجمالي المستحقات المالية للشركات الأجنبية العاملة في قطاع البترول، حاليًا، إلى نحو 3.5 مليار دولار، كما تم الاتفاق على مد خطة جدولة المستحقات حتى سبتمبر المقبل، بدلًا من يونيو الماضي.
دخول سفن التغييز للخدمة
في غضون ذلك قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إنه تم سداد أكثر من مليار دولار من مستحقات شركات النفط والغاز الأجنبية.
وأضاف: “سنسدد 1.4 مليار دولار من مستحقات الشركات الأجنبية قبل نهاية 2025″، مشيرًا إلى أن ثلاث سفن تغويز دخلت الخدمة، وأصبحت متصلة بالشبكة القومية للغازات الطبيعية”.
تعزيز لمكانة الاقتصاد المصري
وقال المهندس مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، إن اتخاذ الحكومة لهذه الخطوات الجادة والعملية في سداد مستحقات الشركات الأجنبية، جاء بناءً على تعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعمل على زيادة الإنتاج، وتزامنت مع إعلان وزارة البترول بدء شركة “إيني” الإيطالية أعمال الحفر في حقل “ظهر” بالبحر المتوسط، بهدف رفع الإنتاج اليومي بنحو 220 مليون قدم مكعب.
وأشار يوسف إلى أن سداد مستحقات الشركات يعزز موقف الاقتصاد المصري على المستوى الدولي، بما يشجع الاستثمارات الأجنبية القادمة إلى مصر، للعمل في قطاع الطاقة، خاصة أن تراكم المستحقات جاء بسبب تراجع الاحتياطي النقدي الذي بلغ 34 مليار دولار بنهاية 2022.
وأضاف أن سداد المستحقات مرتبط بشكل وثيق بتشجيع الشركات الأجنبية على جذب المزيد من الاستثمارات، مما يدعم نمو القطاع النفطي، مؤكدًا اعتماد آلية جديدة تتيح سداد جزء من المستحقات المتراكمة.
وأشار إلى أن حقل ظهر تم اكتشافه عام 2015 ويُعتبر من أهم مشروعات الطاقة المصرية، حيث بدأ الإنتاج في ديسمبر 2017 بمعدل 350 مليون قدم مكعب يوميًا، وارتفع إلى ذروته بـ2.7 مليار قدم مكعب يوميًا في أغسطس 2019.
ولفت إلى أن 60% من قيمة الدفعة الأخيرة التي سددتها الحكومة ذهبت لصالح ثلاثة من أكبر شركات الطاقة العالمية العاملة في مصر، وهي: “إيني” الإيطالية، و”بي بي” البريطانية، و”أباتشي” الأمريكية، وذلك في إطار التزامات مصر التعاقدية مع الشركاء الأجانب في قطاع الطاقة، وهو ما يأتي ضمن خطة طموحة لخفض مديونيات قطاع البترول والغاز، وتحسين مناخ الاستثمار في هذا المجال الاستراتيجي.
وسلط يوسف الضوء على الحوافز التي قدمتها وزارة البترول لتشجيع الشركات الأجنبية على استمرار عملها بالسوق المصرية، منها وضع جدول زمني محدد وواضح لسداد المستحقات، إلى جانب إتاحة الفرصة للشركاء الراغبين في بيع منتجاتهم من الغاز والبترول بأسعار أعلى من المتفق عليها من قبل، بما يحقق لهم أرباحًا مماثلة لتلك التي يحققونها من عمليات التصدير.
وأكد أن هذه الحوافز تعتبر جزءًا من استراتيجية شاملة تتبناها مصر لدعم قطاع الطاقة وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحقيق التوازن في سوق الطاقة المحلية، وسط تحديات اقتصادية متزايدة وضغوط على العملة الأجنبية.
رسالة طمأنة للمستثمرين
في حين قال المهندس مصطفى الشربيني، خبير الطاقة، إن سداد أكثر من مليار دولار من مستحقات الشركات الأجنبية يعتبر خطوة نحو استقرار قطاع الطاقة في مصر، حيث أعلنت الحكومة مؤخرًا عن سداد نحو مليار دولار من مستحقات شركات النفط والغاز الأجنبية العاملة في البلاد.
وأوضح أن هذه الخطوة تأتي ضمن جهود متواصلة لتسوية المتأخرات وتحفيز الاستثمار في قطاع الطاقة، أحد أهم ركائز الاقتصاد المصري.
وأشار إلى أن السداد لا يمثل فقط وفاءً بالتزامات الدولة، بل يعد أيضًا رسالة طمأنة للمستثمرين، خاصة مع دخول مصر مرحلة جديدة من تطوير الحقول وتوسيع شبكة التصدير، وزيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي كوقود انتقالي في مزيج الطاقة.
ولفت الشربيني إلى أنه بالرغم من أن هذه المستحقات تخص السوق المصرية بالأساس، فإن لها تأثير غير مباشر على الأسعار العالمية في جانبين، الأول هو زيادة إنتاج الغاز المحلي، مضيفا: “عندما تسدد مستحقات الشركات الأجنبية، فإن ذلك يشجعها على زيادة الاستثمارات في الحقول القائمة والمكتشفة حديثًا، ما يعني إمكانية زيادة المعروض من الغاز المصري، خاصة الغاز المُسال الموجه للتصدير، وهو ما يسهم في تهدئة الأسعار بالأسواق الإقليمية، خاصة في جنوب أوروبا وشرق المتوسط”.
وتابع: “كذلك فإن تحسين الثقة في السوق المصرية، حيث إن الوفاء بالالتزامات المالية يعزز من جاذبية مصر كوجهة استثمارية للطاقة، وهو ما قد يشجع على المزيد من الاستكشافات، وبالتالي رفع الطاقة الإنتاجية على المدى المتوسط، ما ينعكس على توازن العرض والطلب في السوق.
وأوضح الشربيني أنه رغم أهمية هذه الخطوة، فإن التأثير المباشر على أسعار الغاز أو المشتقات في السوق المحلي لن يكون فوريًا، خاصة في ظل ارتباط الأسعار بشكل جزئي بالسوق العالمية.
وقال: “على المدى الأطول، فإن زيادة الإنتاج المحلي وتحفيز الشركات العالمية على ضخ استثمارات جديدة قد يؤدي إلى تحقيق فائض يُستخدم لتغطية الاحتياجات المحلية وتقليل الاعتماد على الاستيراد”.
وأشار إلى أن سداد مليار دولار من مستحقات الشركات الأجنبية هو خطوة استراتيجية نحو استعادة زخم قطاع الطاقة المصري، وتعزيز مكانته كمركز إقليمي للطاقة، مع ما يحمله ذلك من آثار إيجابية على الموازنة العامة، أسعار الطاقة، وثقة المستثمرين الدوليين.