أكد الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية د.هشام الجضعي، أهمية التعامل الفعّال بين الجهات العلمية والرقابية لإيجاد علاج أو لقاح لفيروس كورونا، وفق الأسس العلمية المعتمدة دولياً.
جاء ذلك في كلمة د.هشام الجضعي، خلال ندوة “دور الهيئات الرقابية الدوائية في الدول العربية في تعزيز البحث العلمي لمواجهة أزمة فيروس كورونا COVID-19” والتي عقدتها المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية، بالتعاون مع الهيئة العامة للغذاء والدواء بالمملكة العربية السعودية، والتي شارك فيها عن بعد أكثر من 350 مشارك من المهتمين بالصناعة الدوائية والأجهزة الرقابية الدوائية والجامعات العربية.
وأشار د.هشام الجضعي إلى دور الهيئة منذ بداية الأزمة في التعامل معها وفق خطة ذات مسارات متوازية، شملت تعزيز الجوانب الوقائية ودعم الدراسات التي تسهم في التوصل إلى علاج، مع تكثيف التوعية وتوفير الأجهزة والمنتجات الطبية المستخدمة في الفحص والوقاية من الفيروس، بالتعاون مع الشركاء في القطاع الصحي والقطاعات الحكومية.
عرض د.هشام الجضعي، الإجراءات التي اتخذتها الهيئة في مواجهة هذه الجائحة وأهمها الاعتماد الطارئ لاستخدام كواشف مخبرية في المنشآت الصحية لاكتشاف فيروس كورونا “كوفيد 19” في حال الاشتباه بالإصابة، وكذلك تسريع إجراءات التقييم العلمي للأجهزة والمستلزمات الطبية التي تستخدم للحماية الشخصية مثل الكمّامات والقفازات الطبية، بالإضافة إلى تعجيل الموافقات على معقمات اليدين لرفع عدد المصانع المنتجة لها وزيادة توفرها بالسوق السعودي، والمواد الأولية للأدوية للتغلب على أي شح قد يحدث نتيجة للحظر الدولي على التصدير، فضلاً عن إعداد تقرير علمي – بشكل دوري – يتناول كافة الدارسات المتعلقة بالأدوية المستخدمة في البروتوكولات العلاجية للمرض، ومراجعة كافة اللقاحات المؤهلة لمنع المرض في مختلف مراحل التجارب السريرية، مع إطلاق الهيئة مبادرة للأمن الدوائي مشاركة مع عدد من الجهات الحكومية والخاصة تهدف لزيادة توفر الأدوية، وأخيراً التنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة لضمان الأمن الغذائي وتوفر الأغذية في الأسواق.
وأشار د. هشام الجضعي، إلى موافقة الهيئة العامة للغذاء والدواء على إجراء عدد من الدراسات السريرية المتعلقة بأدوية يحتمل أن تكون ذات فائدة في علاج الفيروس، ومن أهمها دراسة دولية سريرية في عدد من المستشفيات داخل المملكة العربية السعودية تهدف إلى الحصول على بيانات موثوقة يعتمد عليها في ما يخص فعّالية وسلامة بعض المستحضرات المستخدمة التي قد تسهم في علاج فيروس “كورونا كوفيد 19″، وهي ريمديسيفير Remdesivir وكلوركوين Chloroquine ولوبينافير مع ريتونافير Lopinavir with Ritonavir وإنترفيرون بيتا 1ب (Interferon β1b)..
ومن جانبه، أكد مدير عام المنظمة العربية للتنمية الإدارية د.ناصر الهتلان القحطاني، على أهمية البحث العلمي في تحقيق التقدم والتطور في الدول والمجتمعات والذي يعتبر هو المخرج لإنقاذ البشرية والحفاظ على صحة وسلامة الإنسان.
وأعلن أستاذ الأدوية والسموم بكلية الصيدلة جامعة القاهرة د.أشرف بهجت، عن عدم وجود دواء فاعل حتى الآن أو لقاح للوقاية من فيروس كورونا، حيث استعرض خلال الندوة، الموقف الحالي للدراسات السريرية لعلاج فيروس كورونا، مشيرا إلى أنه يوجد إستراتيجيتين أو أسلوبين للعلاج، أولهما استهداف الفيروس باستخدام الأدوية المضادة للفيروسات، أو استخدام بلازما المتعافين أو استخدام الأدوية المضادة للفيروسات.
وأعلن د.أشرف بهجت، إجراء تجارب سريرية على عدة أدوية، وتم التركيز على أربعة أدوية منها، ونظراً لثبوت عدم جدوى العلاج وحدوث أضرار جانبية لدوائيين من تلك الأدوية وهما هيدروكسي كلوروكوين Hydroxychloroquine، وعقار آخر كان يستخدم في علاج مرض الايدز وهو عقار مركب من مادتين لوبينافير Lopinavir وريتونافير Ritonavir، فقد تم إيقاف التجارب بالنسبة لهما من قبل منظمة الصحة العالمية ولم يتبقى سوى دوائيين لازالت الدراسات السريرية تجرى عليهما حتى الآن وهما عقار ريمديسفير Remdesivir والذي لم تسفر الدراسات التي أجريت حتى الآن عن وجود فاعلية كبيرة لهذا الدواء في علاج آثار أو مضاعفات الفيروس، حيث أشارت بعض الدراسات إلى انخفاض نسبة الوفيات من 11.9% إلى 7.1% وانخفاض وقت التعافي إلى 11 يوم لمن تم علاجهم مقابل 15 يوم لمن لم يتم علاجهم؛ ولذلك أوصت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول باستخدام عقار ريمدسيفير في الحالات الطارئة فقط Emergency use authorization.
وأضاف أن عقار هو فافيبيرافير Favipiravir والذي أشارت الدراسات إلى أن نسبة الشفاء لمن تعاطى هذا العقار كانت 61% مقارنة بنسبة 52% للذين لم يتعاطوا الدواء، كذلك مدة التعافي صارت أقل مع تحسن في أشعة الصدر لمن تعاطى الدواء، ولكن هذه الدراسات لم يتم نشرها ولم يتم تحكيم بعضها حتى الآن.
وعن بلازما المتعافين من كوفيد-19 Covid-19 convalescent plasma، أكد د.أشرف بهجت، أن الدراسات التي أجريت على المرضى الذين تم نقل بلازما المتعافين إليهم، لم تشر إلى زيادة ذات دلالة إحصائية في نسبة التحسن السريري أو تقليل نسبة الوفاة في الحالات المرضية الشديدة، فضلاً عن انخفاض الثقة في فعّالية وسلامة هذا النهج من العلاج، حيث شملت الدراسات عدد قليل من المشاركين وكانت غير منضبطة، كما كان اختيار المرضى غير عشوائي.
وقال إن الاستراتيجية الثانية قامت على استهداف العائل أو المريض باستخدام أدوية لتهدئة الجهاز المناعي، حيث تبين أن الاستجابة المناعية العنيفة أو العالية تؤدي إلى حدوث مضاعفات والتهابات شديدة بالرئتين وتلف في بعض أجزائها وحدوث تجلط في الدم في الأوعية الدموية؛ ولذلك تقوم هذه الاستراتيجية على أساس تهدئة الجهاز المناعي باستخدام أدوية لضبط المناعة ومضادات الالتهاب، مثل مشتقات الكورتيزون وكذلك استخدام مضادات التخثر أو التجلط.
وأوضح أن هذه الاستراتيجية تحتوي على 3 مجموعات دوائية، تشمل ديكساميثازون Dexamethasone وقد أشارت نتائج استخدامه إلى خفض نسبة الوفيات بمقدار الثلث في الحالات الشديدة التي تحتاج إلى دعم تنفسي فقط ولا ينصح باستخدامه في الحالات الخفيفة، مضيفا أن المجموعة الثانية هي مثبطات الانترليوكن IL-6 and IL-1 inhibitors، وأظهرت الدراسات أن استخدامه يؤدي إلى خفض حالات الوفيات، لكن هذه الدراسات أجريت على أعداد ليست بالكبيرة، مشيرا إلى أن المجموعة الثالثة تعتمد على مضادات التخثر Anticoagulants، وأظهرت الدراسات أن استخدام مضادات التخثر أدت إلى خفض نسبة الوفيات في الحالات الحادة والحرجة والشديدة.
وأوصى د.أشرف بهجت، بأهمية إجراء الدراسات والتجارب السريرية عن بعد، وذلك لتخفيض نفقات البحث العلمي ومن ثم تخفيض تكلفة العلاج.
وأعلن أستاذ الأدوية والسموم بكلية الصيدلة جامعة القاهرة ونائب رئيس هيئة الدواء المصرية د.أيمن الخطيب، أن اكتشاف دواء جديد لعلاج مرض معين يمر بعدة مراحل حتى يتم تسجيله والتصريح باستخدامه، وقد تستغرق تلك المراحل فترة من 10 – 15 سنة.
وأشار د.أيمن الخطيب، إلى أن مراحل إنتاج أي دواء تمر بمرحلة التجارب المعملية وهي ما قبل التجارب السريرية Pre-Clinical Studies، وتشتمل على تجربة آلاف المركبات، وفي ضوء نتائج هذه المرحلة يتم إجراء التجارب على الحيوانات، ثم تأني مرحلة التجارب السريريةClinical Trials، بعد التأكد من مأمونية المركب ويتم تجربته على البشر لعدد لا يتجاوز المائة شخص phase 1، وبعد اجتياز هذه المرحلة تبدأ المرحلة الثانية phase 2 ويكون التركيز خلالها على المامونية أيضاً ويتم تجربة المركب على البشر لعدد لا يتجاوز 300 إلى 400 فرد.
وأضاف أنه بعد هذه المرحلة، تبدأ المرحلة الثالثة phase 3 حيث يتم التعامل مع عدد أكبر من المرضى 3000 فرد وفي هذه المرحلة يتم التركيز أيضا على المأمونية، بالإضافة إلى تأثير الدواء في علاج المرض، وفي حالة اجتياز هذه المراحل يتم تقديم الملف الخاص بهذا الدواء للجهات الرقابية حيث يتم دراسته، وبعد اعتماد الهيئات الرقابية يتم تسجيل الدواء تمهيداً لإنتاجه وتداوله في الأسواق، وبعد تداول الدواء يتم متابعته للتعرف على الآثار الجانبية التي قد تظهر خلال التعاطي side effects وفي ضوء تلك الآثار يتم دراسة استمرار أو عدم استمرار طرح الدواء في السوق.
وأكد د.أيمن الخطيب، أن هذا يعني أنه لاكتشاف دواء جديد لعلاج فيروس كورونا يتعين المرور بكافة هذه المراحل، وبالتالي فإن ما يتم إجراءه الآن من تجارب سريرية يعد بمثابة محاولات للتعرف على مدى فاعلية أدوية متداولة بالفعل لعلاج أمراض أخرى، في علاج فيروس كورونا لحين اكتشاف دواء جديد أو التوصل إلى لقاح للوقاية من الإصابة بالمرض.
وأوصى خبراء الندوة بأهمية إجراء الدراسات والتجارب السريرية عن بعد، وذلك لتخفيض نفقات البحث العلمي ومن ثم تخفيض تكلفة العلاج، مع التأكيد على التعاون العربي المشترك وتضافر الجهود لمواجهة جائحة كوفيد-19 من خلال تفعيل دور اللجنة العليا للدواء العربي في وضع الخطط والاستراتيجيات العربية لمواجهة الأزمة، والاهتمام بالتصنيع الدوائي المشترك من خلال الاستفادة بالمزايا النسبية للدول العربية، بالإضافة إلى توطين صناعة الدواء من خلال إنشاء مصانع وطنية بدعم حكومي لتصنيع المواد الدوائية الفعّالة، فضلاً عن تعزيز البحث العلمي في مجال الصناعة الدوائية من خلال إجراء دراسات وأبحاث عربية مشتركة مع توفير التمويل اللازم لها وإقامة تحالفات إستراتيجية مع مراكز الأبحاث العلمية في الدول المتقدمة، بالإضافة إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لربط البحث العلمي بالصناعة الدوائية، وأخيراً تبادل المعلومات خاصة في مجال اليقظة الدوائية وإدارة المخاطر، مع إنشاء قاعدة بيانات عربية مشتركة.
أوصى المشاركون بعقد ندوة لبحث التحديات التي تواجه الدول العربية خلال العامين القادمين في ظل استمرار جائحة كورونا لبحث تأمين الغذاء والدواء خلال هذه الفترة باعتباره تحدياً كبيراً أمام الدول العربية في ضوء اعتمادها بدرجة كبيرة على الاستيراد سواء بالنسبة لمدخلات الإنتاج أو المنتجات ذاتها.