لا يزال التضخم يمثل أحد العوامل الرئيسية المحركة للأسواق في شهر مايو، خاصة مع صعود مؤشر أسعار المستهلك وكذلك مؤشر الانفاق على الاستهلاك الشخصي، وهو الأمر الذي دفع المشاركين في الأسواق إلى القلق من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى تشديد السياسة النقدية في وقت أبكر مما كان متوقعًا بسبب وجود إشارات تدل على حدوث تضخم بالاقتصاد.
وعلى الرغم من ذلك، ساعدت البيانات المختلطة الخاصة بتقرير الوظائف في تقديم صورة مختلفة قليلًا، كما جاءت تصريحات مجموعة من المتحدثين من البنك الاحتياطي الفيدرالي على مدار الشهر لتقدم وجهة نظر موحدة، مؤكدين أنه من المرجح أن يكون ارتفاع التضخم فترة مؤقتة ، وأن الاقتصاد لا يزال أمامه طريق طويل للتعافي. ونتيجة لذلك هدأت مخاوف التضخم، مما أدى إلى انخفاض توقعات التضخم، وبالتالي تراجع عوائد سندات الخزانة وكذلك الدولار.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت الأصول ذات المخاطر في الأسواق المتقدمة والأسواق الناشئة وكان ارتفاع أسعار النفط عامل أخر من العوامل المهمة هذا الشهر، حيث ارتفعت الأسعار على مدار الشهر لتسجل أعلى مستوى لها في عامين، مما ساهم في ارتفاع التضخم في جميع أنحاء العالم. وفيما يتعلق بفيروس كورونا، أصبحت جنوب شرق آسيا الآن بؤرة لانتشار فيروس كورونا من جديد، وذلك بسبب التحور الجديد الذي حدث للفيروس في الهند والمسمى “دلتا”، بالتزامن مع التأخر في معدلات التطعيم بشكل كبير في المنطقة مما تسبب في المزيد من القلق.
علاوة على ذلك، دعم مقياس التضخم المفضل لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي – مؤشر الانفاق الشخصي للمستهلك – نسبة التضخم المتزايدة الناتجة عن أرقام مؤشر أسعار المستهلك، حيث سجل 3.1%، متجاوزًا بذلك التوقعات بنسبة قليلة، مسجلاً أعلى مستوياته منذ بداية التسعينيات.
وجاءت أرقام مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي لشهر أبريل أعلى من المتوقع، حيث ارتفع المؤشر مقارنة بالعام الماضي بأسرع وتيرة منذ عام 2008، كما كانت نسبة التغير الشهرية لمؤشر أسعار المستهلك الأساسي هي الأكبر منذ عام 1981، وهو الأمر الذي تسبب في اندلاع المخاوف بين المستثمرين خلال منتصف الشهر من أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يقوم بتشديد سياسته النقدية بشكل أسرع من المتوقع.
ونتيجة لذلك، استقرت عوائد سندات الخزانة إلى حد ما للشهر الثاني على التوالي، ومن ثم أنهت الشهر على انخفاض بعد تراجع مخاوف التضخم. وانخفضت عائدات السندات لأجل 10 سنوات إلى مستوى 1.596%، أي أقل بحوالي 14 نقطة أساس من أعلى مستوياتها التي سجلتها في شهر مارس (1.742%)
وصلت معدلات االتعادل (الفرق بين العائد على السندات المرتبطة بالتضخم والسندات العادية والذي يمثل توقعات المستثمرين للتضخم) إلى أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات في النصف الأول من الشهر مع ارتفاع في أسعار السلع، ورغم ذلك، استمر المتحدثون في بنك الاحتياطي الفيدرالي في الثبات على موقفهم الذي يميل إلى سياسة نقديه توسعية، مما ساعد على تهدئة الأسواق وانخفاض توقعات التضخم في نهاية الشهر.
انخفض معدل البطالة بصورة اكبر من المتوقع حيث سجل 5.8%. وفي الوقت ذاته، ارتفع معدل التشغيل الى اجمالي السكان ليبلغ 58%، ولكنه لا يزال أقل من معدل ما قبل أزمة فيروس كورونا والبالغ 61.1%. وانخفض معدل المشاركة في القوى العاملة إلى 61.6%، وهو الأمر الذي يوضح نوعًا ما انخفاض نسبة البطالة.
لا تزال بيانات تقرير التوظيف في الولايات المتحدة متباينة، حيث تحسن التغير في الرواتب بالقطاع غير الزراعي في شهر مايو مقارنة ببيانات أبريل ولكنها لا تزال أقل من التوقعات.
في الوقت ذاته، جاءت مؤشرات مديري المشتريات للقطاعين التصنيعي والخدمي واللذان يحركان الأسواق ويصدره معهد إدارة التوريدات (ISM) أفضل من المتوقع وذلك عن شهر مايو، تزامناً مع زيادة الطلب المكبوت وسط إعادة فتح الاقتصاد. ومع ذلك، أظهر الاستطلاع مخاوف بشأن أسعار المواد الخام ونقص العمالة.
علاوة على ذلك، أظهر مؤشر التغيير في التوظيف بالقطاع الخاص غير الزراعي (ADP) في شهر أبريل أن الاقتصاد قد أضاف أكثر وظائف بالقطاع الخاص منذ يونيو 2020، مع تحقيق أكبر زيادة في قطاع الترفيه والضيافة. في الوقت نفسه، سجلت نسبة الوظائف الشاغرة مستويات قياسية حيث بلغت 9.3 مليون، مما يدل على عدم وجود ترابط واضح بين العرض والطلب ووجود نقص في العمالة. وسجل معدل الاستقالات أعلى مستوياته على الإطلاق، مما يشير إلى الثقة في سوق العمل.
نُقل عن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قوله إن آفاق الاقتصاد الأمريكي “سطعت بوضوح” وسط زيادة معدلات التطعيم وحزم التحفيز المالي.
قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز إنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بأقوى وتيرة منذ عقود، لكن الظروف لا تزال غير مواتية لتمكين الاحتياطي الفيدرالي من البدء في سحب الدعم.
وخلال هذا الشهر، استمر مسؤولون بالبنك الاحتياطي الفيدرالي في تأكيد موقفهم الذي يميل إلى تيسير السياسة النقدية، مؤكدين أنه من المرجح أن يكون ارتفاع التضخم مؤقت وانتقالي، وأنه على الرغم من إظهار الاقتصاد الأمريكي لعلامات تدل على التعافي، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن تحقيق هدفي بنك الاحتياطي الفيدرالي. وبدأ بعض المتحدثين في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ذكر الحاجة إلى البدء في الحديث عن تقليص مشتريات السندات، وهو الأمر الذي كان واضحًا أيضًا في محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لشهر أبريل والذي تم إصداره خلال الشهر.
صرح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو ، تشارلز إيفانز، إنه متفائل بشأن الاقتصاد ومعدلات النمو، وذلك منذ من بضعة أشهر. ولكنه يتوقع أن تستمر السياسة التيسيرية لبعض الوقت.
نقلت لوريتا ميستر رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند أن سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي تسير بشكل جيد وأن التغييرات سيتم عرضها على السوق مسبقًا.
رفض كل من رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا رافائيل بوستيك وعضو مجلس المحافظين لايل برينارد فكرة الاستمرارالدائم في ضغوط الأسعار ، قائلين إنهم لن يتفاجأوا إذا رأوا اختناقات أو أي نقص في المعروض يدفع الأسعار للأعلى في الولايات المتحدة.
قال نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي كوارلز إنه يتوقع أداء اقتصاديًا قويًا للغاية ، قائلاً إنه “متفائل جدًا” بشأن مسار الاقتصاد.
وبالنظر إلى توقعاته بالانتعاش القوي للاقتصاد، فإنه سيفتح الباب بلا شك قريبًا للنقاش حول إبطاء وتيرة شراء أصول البنوك.