أول حكم فى العالم العربي ضد الاضطهاد الوظيفي، قضت المحكمة الإدارية العليا فحص، برفض الطعن المقام من وكيل وزارة التموين وتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية برئاسة الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، بإلغاء القرار السلبي المطعون فيه بامتناع مديرية التموين بالإسكندرية عن منح المدعي (أ.ع.س) بطاقة الضبطية القضائية الجديدة ذات الرقم الكودي بدلاً من بطاقة الضبطية القضائية القديمة وما يترتب علي ذلك من أثار أخصها منحه بطاقة الضبطية القضائية لمفتشي التموين وما يرتبط بذلك من صرف الحوافز والمكافآت والمزايا المالية الأخرى المقررة لمأموري الضبط القضائي.
كما ألزمت المحكمة مديرية التموين بالإسكندرية بأن تؤدي للمدعي مبلغاً مقداره عشره آلاف جنيه، تعويضاً له عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به بسبب انحراف الإدارة عن سلطتها وامتناعها عن تجديد بطاقة الضبطية القضائية رغم كفاءته ونزاهته وتميزه وحصوله على تقارير ممتاز طوال مدة عمله واجتيازه أعلى برامج التفيش والرقابة الميدانية، وألزمتها أيضاً المصروفات .
الاضطهاد الوظيفي أحلك أنواع انحراف المدير الإداري بالسلطة
وأكدت المحكمة على أن الاضطهاد الوظيفي أحلك أنواع انحراف المدير الإداري بالسلطة يوجب ابطال عمله والتعويض عنه، وحددت 5 قواعد لمواجهة انحراف المدير الإداري بالسلطة : 1- الاضطهاد الوظيفي ينتج عن تظاهر المدير الإداري المنحرف بسلطته باحترام القانون مع تعمده مخالفته 2- غمط الحقوق أو التنزيل من الوظيفة أو استبعاد المتطلعين للترقية دون سبب وسائل مستترة للانحراف بالسلطة 3- الانتقام من المرؤوس لتميزه أو محاباة آخر أقل كفاءة على حسابه أو عرقلة مسيرته الوظيفية انحراف وظيفي يتعلق بنفسنة وسلوكيات صاحب السلطة الوظيفية 4- إنصاف ضحايا إساءة استعمال السلطة بإلغاء القرار الجائر وتعويضهم مساعدة نفسية واجتماعية ترفع الإيذاء عن اعتلال صحتهم البدنية والنفسية 4- التعويض عن الأذى النفسي للشعور والإحساس بالظلم والاضطهاد أمام الزملاء والأسرة والمجتمع جبراً للضرر.
وقالت المحكمة برئاسة الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، إن الاضطهاد الوظيفي أحلك أنواع انحراف المدير الإداري بالسلطة يوجب ابطال عمله والتعويض عنه، وأن إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها من العيوب القصدية فى السلوك الإداري قوامها أن يكون لدى صاحب السلطة الوظيفية القصد والنية والإرادة والوعى لإساءة استعمال سلطته أو الانحراف بها بأن يتظاهر باحترام القانون مع تعمده مخالفته أو يتنكب وجه المصلحة العامة التى يجب أن تتغياها طبيعة وظيفته في إصدار القرارات أو أن تكون قد صدرت منه ببواعث شخصية لا تمت للمصلحة العامة في شئ ، ومن صورها الانتقام من شخص المرؤوس لتميزه أو محاباة آخر أقل كفاءة على حسابه، أو عرقلة مسيرته الوظيفية نحو التقدم , ومن ثم فإن هذا العيب يتعلق بنفسنة وسلوكيات صاحب السلطة الوظيفية يجب أن يقوم الدليل عليه لخطورته , وحينئذ يتوجب إلغاء القرار الإداري المعتور بعيب جسيم والتعويض عنه كذلك .
القرارات المتعلقة بمظاهر الحياة الوظيفية للموظف العام
وأضافت المحكمة أن رقابة القاضي الإداري أضحت منبسطة على كافة المنازعات الإدارية للتأكد مما إذا كانت القرارات المتعلقة بمظاهر الحياة الوظيفية للموظف العام قد صدرت من الجهة المختصة في حدود السلطة المخولة لها لا تحركها سوى أهداف الصالح وحسن التنظيم المرفقي المبرر لإعادة توزيع عمال المرافق العامة أو ما إذا كانت الجهة الإدارية ترمي من وراء إصدارها إلى غمط حقوق أصحاب الشأن من العاملين بإلحاقهم بوحدات إدارية للتنزيل من وظائفهم أو التوهين من مراكزهم أو استبعادهم من دائرة المتطلعين للترقية أو زعزعة الثقة في قدرتهم على الاضطلاع بوظائفهم تجاه المجتمع أو حرمانهم دون وجه حق من مزايا الوظيفة أو محاباة غيرهم بالمخالفة لعنصر الكفاءة الدستوري وفي هذه الأحوال يكون قراراتها معدومة الأثر لكونها وسيلة مستترة للإضرار بأصحاب الحقوق.
وأشارت المحكمة إلى أن انعدام السبب المعقول المبرر للقرار الإداري وانطواء تصرف الإدارة علي تمييز البعض علي حساب البعض الآخر دون مسوغ مقنع من الصالح العام هو صورة من صور الانحراف بالسلطة ويتعين إنصاف ضحايا إساءة استعمال السلطة برد الحق عن طريق إلغاء القرار الجائر الناجم عن انجراف المدير الإداري بالسلطة و الحصول على تعويض للمضارين كمساعدة مادية وظيفية ونفسية واجتماعية ترفع الإيذاء الذى وقع على الموظف واصابته باعتلال صحته البدنية والنفسية نتيجة للانحراف بالسلطة الذى يعد ضـرباً مـن ضروب المخالفة العمدية القانون مع التظاهر باحترامه، ومن أخطر العيوب التي تشوب العمل الإداري وأكثرها إضراراً بمصلحة المرفق ذاته بحسبانها من العيوب الخفية التي يستهدفها الشخص الإداري في نطاق الوظائف المسندة إليه، مما يستوجب على القاضي الإداري التوغل في رقابة المشروعية على العمل الإداري للتوصل عن كشف الغرض الذي يصبو إليه الشخص الإدارى المنحرف بسلطته في نطاق المهام المسندة إليه، والذي يفترض فيه أن يجسد المصلحة العامة من وجهة نظر القانون وليس من وجهة نظره الشخصية حتى يتحقق حسن سير المرفق العام بانتظام واطراد.
منحة البطاقة الجديدة ذات الرقم الكودي
وأوضحت المحكمة أن الثابت بالأوراق أن المدعي يشغل وظيفة مفتش تموين أول بمديرية التموين والتجارة الداخلية بالإسكندرية وجميع تقارير كفايته طوال سنوات عمره الوظيفى بدرجة ممتاز وقد أجتاز بنجاح برنامج التفتيش والرقابة بمركز التدريب بمديرية التنظيم والإدارة وهو من مأموري الضبط القضائي بحكم أعمال وظيفته طبقاً لأحكام المرسوم بقانون الخاص بشئون التموين الذين يحملون بطاقة الضبطية القضائية وقد امتنعت الجهة الإدارية عن منحة البطاقة الجديدة ذات الرقم الكودي الصادر بها المنشور الوزاري دون مسوغ قانوني ودون إبداء أيه أسباب، ولم يثبت في حق المدعي ثمة تقصير أو إهمال في أداء أعمال وظيفته وخلت الأوراق من أى دليل ينال من نزاهته وحياده في مباشرته لأعمال الضبط القضائي ومن ثم يكون قرارالإدارة مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها بغرض تمييز بعض الموظفين علي حساب البعض الآخر منهم وإهدار مبدأ المساواة بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة مما يستنهض ولاية هذه المحكمة في إلغاء القرار الطعين وإلزام مديرية التموين بالإسكندرية بمنح المدعي بطاقة الضبطية القضائية الجديدة ذات الرقم الكودي استبدالاً لبطاقته القديمة وما يرتبط بذلك من صرف الحوافز والمكافآت والمزايا المالية الأخرى المقررة لزملاء المدعي من مأموري الضبط القضائي اعتبارا من تاريخ منح هؤلاء الزملاء البطاقات الجديدة .
وانتهت المحكمة أن ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية ثابت في حقها يقيناً بثبوت عدم مشروعية القرار المطعون فيه ومخالفته أحكام القانون وهذا الخطأ أصاب المدعي بأضرار مادية تمثلت في حرمانه من بطاقة الضبطية القضائية الجديدة وحرمانه من الحوافز والمكافآت والمزايا المالية المقررة لمأموري الضبط القضائي بالمديرية من الذين منحت لهم تلك البطاقات فضلاً عما لحق به من أضرار أدبية تمثلت فيما أصابه من أذي نفسي يمس شعوره وإحساسه بالظلم والاضطهاد بين زملائه في العمل وكذلك أمام أفراد أسرته والمواطنين من أفراد المجتمع , وكذلك ما تكبده من جهد ونفقات وتكاليف قضائية في سبيل الحصول علي حقه أمام القضاء , وهذا الأمر تقدره المحكمة إجمالاً بمبلغ عشرة آلاف جنية مصري لا غير.