تدوير الذات وتطويرها

بقلم/ مستشار دكتور محمد جبريل إبراهيم 

alx adv

حكي لي أحدهم أنه عندما شعر بتراقص المبني الذي يسكن فيه علي أثر زلزال ، فهم مسرعاً وأيقظ أولاده الثلاث وزوجته ثم حمل الأطفال الثلاث في خطفة واحدة ، ثم خطف حقيبة ثقيلة من دولاب ملابسه لم يصرح بمحتوياتها ، ونزل إلي الشارع وأولاده علي كتفيه ،وحقيبته الثقيلة في يده ، وزوجته من خلفه ، كل ذلك في لحظات معدودة ، لا يقدر علي انجازها إلا أولي القوة من الرجال .

 

وحكي لي آخر وهو كهلاً عجوزاً أنه كان مريضاً وطريح الفراش ، وعندما سمع بخبر سعيد عند أحد أقرباءه قفز من علي فراشه ، وأخذ الطريق بالخطوة السريعة وفي نفس واحد ، وكأنه شاب في العشرين .

 

فما لا يجب أن تشك فيه أن هناك في عقلك الباطن عقل أكبر وأذكي من عقلك هذا الي تعرفه في أوقات الدعة والراحة ، وليس هذا وحسب بل أن هناك بداخلك شخص آخر أقوى منك وأشجع منك واكفأ منك ولديه القدرة الفائقة على النجاح وتجاوز المواقف وتحقيق المستحيل .

 

وكل ما عليك هو العثور علي مفتاح ذاتك ، فإن تعلمت كيفية الدخول إلي عالم الذات سوف تتمكن من تطويرها وصيانتها وتحفيزها علي أداء واجباتها التي تمكنك أنت من الوصول إلي ما تحتاج بكل سهولة ويسر ، فما يثر العجب هو ما تخفيه الذات من مكنات كامنة يذهل لها العقل ، ولا تظهر إلا حين استدعائها في أوقات معينة ، ولا تحتاج هذه المكنات إلا التدوير أو التطوير أو الصيانة .

وهذا التدوير والتطوير سمة من سمات البشر ، فليس فقط وكما يقال أن من أهم خصوصيات الإنسان أنه مخلوق ناطق ، فهناك طيور تقدر علي النطق مثل الببغاوات ، وليس فقط أن من خصوصيات الإنسان القدرة علي الضحك فالقرود تتقن الضحك والقهقهة ، ولكن الذي يميز الإنسان بصورة واضحة عن غيره من المخلوقات هو ما يملكه من قدرة علي التطور والتدوير ، ولا أقصد بالتدوير و التطور ما يطلق عليه التكييف مع الطبيعة ، فالتكييف يُعد من ملائمات معظم الحيوانات عندما تشعر بالخوف أو بدنو الخطر .

 

وهذا التكييف يّمكن الحيوان من العيش في الأجواء القاسية ، وذلك عن طريق تطويع قواه وقدراته لتحمل المتاعب والمآسي ، أما التدوير والتطوير فيعني تسخير القوي والقدرات لإزالة المتاعب والمآسي ، ولقد أودع الله في مكنون كل نفس القدرة علي تخطي العقبات ، وإزالة المتاعب بشرط تشغيل الدماغ ، وتحفيز الذكاء ، ولذلك فإذا عاقك عائق فما عليك إلا العودة إلي ذاتك وتطويرها ، وما عليك إلا الدخول الى اعماقك ، والبحث في عقلك الباطن ، والتدوير لتكوينك الداخلي القديم ، وستري قطع غيار تحتاج إلي التغير ، وأجزاء تحتاج إلي الصيانة والرعاية ، كما ستري عناصر لم تستخدم بعد .

 

وكن علي يقين أن في ذاتك مستودع لعناصر وأدوات احتياطية إضافية لاستخدامها عند اللزوم ، فعندما تفقد العون والمساعدة الخارجية فأبحث عن الدعم الداخلي بين جوانحك ، وعندما تفتقد الود والحب ممن حولك فأستلهم المشاعر من وجدانك وعواطفك ، وعندما ترى نفسك وحيدا في هذا الوجود وتجد نفسك تعيش في اجواء موحشة باردة فأستدفئ بحرارة جسدك ودفء أعضائك .

ففي ذاتك مجتمع آخر وثيق يسكن فيك ، غير ذلك المجتمع الذي تسكن فيه وهو خارجك ومن حولك ، وهو الذي أقدر علي مدك بالصمود ، ومنحك ما تريد من حاجات ، إذا ما استطعت تطويرها وتدويرها لمواجهة العقبات المستجدة .

 

ولن يكون الأمر سهلاً فكما المجتمع بخيل في منحك الدعم والمساعدة ، فإن الذات هي كذلك قاسية في الاستجابة لدعواتك ، فلن تقم بتغيير ما اعتادت عليه منذ زمن بمجرد دعوتك المتأخرة ، بل عليك معاودة البحث وتكرار المحاولة حتي تستجيب ذاتك لدعوتك ، فهي كالوحش الذي يحتاج إلي الترويض والتدريب والمسايسة .

 

فالأمر لن ينجح بسهولة من المرة الاولى أو الثانية ، بل يحتاج إلي قدر كبير من الصبر و الذكاء والفهم لإعادة تدوير الذات وتطويرها ، وإعادة ضبطها ضبط المصنع ، وتسطيبها وبرمجتها فكريا ونفسيا ، واعادة اسقاط الواقع من خلال زوايا نظر مختلفة وجديدة ومستحدثة ، كما يحتاج الأمر إلي صيانة بعض الأركان أو تدعيم بعض الأجزاء ، ونفض الغبار عن الافكار المخزنة دون استعمال واعادة استعمالها وتفعيلها من جديد ، فما زال الشاب الذكي الطامح كامن بداخلك ، وما زال هذا الفتي القوي الشديد نابضاً في قلبك .

فهيا بنا نبدأ ونعيد ضبط المصنع من جديد ، ولنستغني عما بداخلنا من أجزاء متهالكة ونلقها في مدفن النفايات البعيد ، ثم نعيد صيانة ما أنهك من أركان ونمسح التراب من علي سطحه ليعود إليه بريقه ، ثم أخيراً نستدعي المهام الجديدة لتدخل في دولاب العمل وتقوم بدورها الجديد ، وعلي بركة الله نبدأ المسير .

 

يقدم فريق بوابة عالم المال، تغطية حصرية ولحظية على مدار الساعة ، لآخر مستجدات البورصة والشركات المدرجة، البنوك وأسعار الدولاروالتأمين، العقاري، والصناعة والتجارة والتموين، الزراعة، الاتصالات، السياحة والطيران، الطاقة والبترول، نقل ولوجيستيات، سيارات، كما نحلل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المؤسسات والشركات والجهات من خلال الإنفو جراف والرسوم البيانية، الفيديو، فضلا عن تقديم عدد من البرامج المتخصة لتحليل كل ما يتعلق بالاقتصاد المصري من خلال تليفزيون عالم المال.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار