بدأ سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري يشهد نوعا من الاستقرار الملحوظ مع بداية الأسبوع الحالي، بينما ارتفع بشكل هامشي خلال الأسبوع الماضي ليترواح متوسط سعره ما بين 30.50 جنيها وبين 30.62 جنيها، وهو ما يشير إلى قدرة السوق المصري على استيعاب التطورات التي يشهدها الجنيه المصري مقابل العملة الخضراء، في ظل الأوضاع العالمية المتغيرة والتي تؤثر بشكل مباشر على الأسواق المحلية والتي من بينها الأزمة الروسية الأوكرانية، ارتفاع معدلات التضخم، وحركة أسعار الفائدة العالمية والتي تشهد زيادة في أسعارها من قبل الفيدرالي الأمريكي حتى وصلت إلى 4.75 % وتبعه في ذلك البنوك المركزية الأوروبية والعربية، بينما ثبت البنك المركزي المصري الفائدة في أول اجتماع لها هذا العام.
واستقرار سعر الصرف أمام الجنيه لليوم الثاني على التوالي في بدايات تعاملات الأسبوع الجاري وارتفاعه بنسب هامشية خلال الأسبوع الماضي يعود إلى العديد من الأسباب والتي من بينها تخفيف الضغط على الدولار الأمريكي، وزيادة الحصيلة الدولارية سواء كانت عبر تحويلات المصريين بالخارج أو إيرادات قناة السويس، وزيادة الفرص التصديرية.
وكانت قد نجحت الحكومة المصرية في توفير سيولة أجنبية بلغت أكثر من 14 مليار دولار والتي تم استخدامها في إنهاء أزمة البضائع الموجودة بالموانئ المصرية وهو ما احدث انفراجة على مستوى توفير السلع الأساسية،
وقال الدكتور رمزي الجرم الخبير المصرفي، إن هناك عوامل أدت إلى استقرارا سعر الدولار وتوفير موارد النقد الأجنبي مثل انضمام الحنيه المصري لقائمة التعامل امام الروبل الروسي، سيوفر الكثير من موارد النقد الأجنبي من الدولار الأمريكي واليورو، نتيجة عدم توسيطهما في اي صفقات بين روسيا ومصر، مما سيخلق فوائض وفيرة، تدعم قوة الجنيه المصري امام الدولار الأمريكي بشكل خاص، خصوصا بعد التمهيد لتطبيق مؤشر الجنيه المصري امام سلة من العملات الأجنبية الرئيسية، فضلاً عن توقعات بانصمام مصر إلى بطاقة مير المصرفية التي تشترك فيها كثير من دول المعسكر الشرقي مثل الهند والصين.
وعلى جانب اخر وثيق الصلة، بدأ المركزي في الترويج لآلية التداول على ادوات المشتقات المالية بسوق الصرف الاجنبي من أجل إتاحة خدمات مالية متكاملة في ظل ظرف استثنائي شديد يواجه الاقتصاد العالمي بشكل عام والاقتصاد المصري بشكل خاص، من أجل طمأنة الشركات والمُستثمرين، من خلال التحوط ضد مخاطر تذبذبات اسعار الصرف، والذي دعا اليها المركزي، منذ 27 اكتوبر الماضي، ولكن قامت البنوك بإرجائها، على خلفية عدم رغبة العملاء في تسديد العمولة المرتفعة المقررة للبنك، مقابل تأمين مخاطر التذبذب في اسعار الصرف، بالاضافة الى التخوف من التعامل على مثل تلك المنتجات المالية لحداثة العمل بها في السوق المصري، على الرغم من ان بلدان كثيرة في المنطقة، قد سبقتنا في التعامل بها، مثل تركيا.
وعلى خلفية التداول في أسواق المشتقات المالية، ستقوم البنوك بتوفير عقود محلية للجنيه غير قابلة للتسليم، يطلق عليها ( NDF) كما سيسمح للشركات والمستثمرين بالمراهنة والتحوط ضد تقلبات العملة المحلية، من أجل بناء سوق محلية اكثر شفافية وذات مصداقية، وتوفير حماية من تقلبات العملات الأجنبية للشركات والمستثمرين سواء المحليين او الأجانب.
أوضح أن الترويج لتلك الآلية في هذا الوقت بشكل خاص، له أهميته الحيوية في ظل سعي المركزي نحو جذب حصيلة وافرة من موارد النقد الأجنبي، من خلال طرح ادوات مالية، ثبت نجاحها في كثير من الاقتصادات المختلفة في تأمين الشركات والمستثمرين ضد اي تقلبات في اسعار الصرف في المستقبل، حيث سيتم نقل العبء بالكامل من كاهل المشتري ، في مقابل دفع العمولة المقررة، مما يدفعهم نحو زيادة معدل التداول على العملة المحلية، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب عليها وبالتالي قوتها امام العملات الأجنبية الأخرى.
وكان قد حدد تقرير لوكالة “بلومبرج” 5 مؤشرات يجب مراقبتها والتي قد تُظهر إلى أين تتجه الأمور بعد ذلك.
أفاد التقرير أن امتثالاً لطلب صندوق النقد الدولي منذ فترة طويلة والذي ساعد في تأمين صفقة بقيمة 3 مليارات دولار، جعل العملة المصرية أكثر مرونة. لكن فترات الاستقرار الطويلة أعقبت اندفاعات من التقلبات وهبوط حاد للجنيه.
وذكرت “بلومبرج” أن إنهاء حالة عدم اليقين هذه، وإظهار ممارسة استخدام الاحتياطيات الدولية والأصول الأجنبية للبنوك لحماية الجنيه قد تم تجاهله حقاً، وقد يكون مفتاحاً لحل الأزمة تقريباً. إذ لن يضخ المستثمرون المزيد من الأموال في السندات أو أسهم الشركات إذا لم يتمكنوا من استبعاد انخفاض آخر في العملة.
وقد تكون بعض حالات الانخفاض والارتفاع المتواضعة للجنيه في الأسابيع المقبلة علامة على أنها تعكس العرض والطلب بشكل أكثر دقة. كما أن الاستئناف المطرد لبعض الواردات بعد تسوية التأخير في الموانئ المصرية من شأنه أن يظهر تحسن تدفقات النقد الأجنبي وتخفيف الضغط على الجنيه. ولكن في حين أن الانخفاضات الأكثر حدة قد تكون قد انتهت، فإن المحللين في كل من “ستاندرد تشارترد”، و”أتش إس بي سي”، لا يستبعدون حدوث ضعف هذا العام.
ربما ولت الأيام التي كان يحتفظ فيها المستثمرون الأجانب بالديون المحلية المصرية بأكثر من 30 مليار دولار منذ فترة طويلة، لكن الانتعاش المتواضع في الفائدة الخارجية قبل يوليو المقبل، سيشير إلى أن البلاد في طريقها لتغطية فجوة التمويل الفورية
يأتي ذلك، فيما تستهدف السلطات ملياري دولار من صافي التدفقات الداخلة بحلول ذلك الوقت، وهو هدف يعتمد على الأرجح على ثقة المستثمرين في أن الجنيه لا تتم إدارته عن كثب والعوائد على الأوراق المالية المحلية ليست سلبية عند تعديلها وفقاً للتضخم.
وأشار التقرير إلى دعم حلفاء مصر من الخليج بعد تعهدات بتقديم أكثر من 10 مليارات دولار من الاستثمارات.
وقد يعني هذا أن الصفقة الكبيرة التالية – التي من المحتمل أن تتضمن في الغالب بيع حصص مملوكة للدولة المصرية في شركة كبرى إلى أي من دول الخليج، قد تكون لحظة فاصلة، ويتبعها بسرعة المزيد من المعاملات.
وفي أعماق تقرير صندوق النقد الدولي الأخير، كانت هناك خطوط قد تكون أساسية لمستقبل مصر: الوعد بفتح المجال لمشاركة القطاع الخاص.
وحددت مصر 32 شركة مملوكة للدولة والتي تبيع فيها حصصاً، وستُعتبر الحركة السريعة للعروض خطوة إيجابية. كما سيكون من المهم أيضاً البيع الأول على الإطلاق لشركة مثل شركة “وطنية”، وهي شركة توزيع وقود تدير شبكة واسعة من محطات الوقود.
على الجانب الآخر، لا يظهر التضخم المتسارع أي علامة على التراجع، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية في يناير بأسرع وتيرة على الإطلاق، وتقول الحكومة إن معالجة التضخم يمثل أولوية قصوى.
وتدرك الحكومة ضرورة معالجة مشكلة التضخم؛ وعندما يبدأ التضخم في التباطؤ – ربما في النصف الثاني من عام 2023 على أقرب تقدير – قد يوفر ذلك بعض الراحة.