أزمة غلاء المعيشة تنتظر الفائز وتوقعات “سوداء” للمستقبل المالي
المستثمرون يراهنون على “أوغلو” بإعادة تركيا إلى السياسة الاقتصادية الصحيحة
تترقب منطقة الشرق الأوسط، الفائز بالانتخابات الرئاسية التركية، ولعل الملف الاقتصادي هو الأبرز، حيث يعد إرثاً مُتخماً بالأعباء المالية.
الرئيس المُنتهية ولايته رجب طيب أردوغان، رغم انه الأوفر حظاً بالفوز، إلا ان ثمة علامات استفهام تطرح نفسها بشأن السياسات الاقتصادية غير التقليدية التي اتبعها، وأجندته الاقتصادية الخاصة بمعالجة المشكلات التي طرأت على انقرة اقتصادياً، سواء حالياً، أو خلال فترة توليه الحكم.
وكالات التصنيف العالمية، حذرت من سيناريوهات “قاسية وصعبة” تنتظر الاقتصاد التركي، بسبب تلك السياسات القائمة، خاصة ان الاقتصاد التركي تعرض لصدمات مُتتالية منذ عام 2020 وحتى الآن، بدءًا من جائحة كورونا ووصولاً إلى زلزال فبراير الماضي، ومروراً بالحرب في أوكرانيا وتبعاتها المختلفة، ولعل أهمها انهيار الليرة التركية، والتي تكبدت خسائر مع اتجاه الانتخابات إلى الإعادة.
ليس ذلك فحسب، بل تراجع حجم الصادرات التركية في أول 4 أشهر من عام 2023 الجاري بنحو 3 % على أساس سنوي لتصل إلى نحو 80 مليارا و873 مليون دولار.
عملية لنتائج الجولة الأولى حملت دلالات تُرجح كفة الرئيس المُنتهية ولايته في جولة الإعادة التي تُجرى يوم 28 مايو الجاري، ولكن عبّرت أغلب المؤشرات عن تصاعد المخاوف على نحو واسع في الشق الاقتصادي.
وتعرضت الأصول التركية لضربة بعد فوز أردوغان على منافسه كمال كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى من التصويت، كما قفزت تكلفة تأمين ديون تركيا ضد التخلف عن السداد خلال الأيام الماضية، وارتفع الفارق على مقايضات التخلف عن سداد الائتمان لمدة 5 سنوات إلى 646 نقطة أساس من 506 نقطة أساس.
جاء بيع الأصول التركية في الوقت الذي عكس فيه المستثمرون رهاناتهم على أن المرشح كليتشدار أوغلو -الذي قاد استطلاعات الرأي قبل الانتخابات- سيعيد تركيا إلى السياسة الاقتصادية التقليدية، مما يلغي مجموعة من البرامج التي وضعها الرئيس التركي المُنتهية ولايته أردوغان.
إفلاس تركيا ينتظر الرئيس الجديد :
هنا، علق الكاتب الاقتصادي التركي ناغي بكير، على ذلك بقوله: “لقد خلق نظام الرجل الواحد أردوغان عجزاً بالبلاد”، موضحاً أن درجة الـ CDS (مبادلات مخاطر الائتمان) مرتفعة للغاية، والتصنيف الائتماني للبلد متدنٍ للغاية.
وأضاف: “البلد بحاجة ماسة إلى الموارد الأجنبية، مع تدني احتياطات النقد الأجنبي، علاوة على أن هناك مديونية مفرطة وتضخم مرتفع”، مشدداً على أن البلاد في حالة صعبة اقتصادياً.
وشدد الكاتب الاقتصادي التركي، ان أردوغان لا يملك خطة يُمكن أن ترتقي بالاقتصاد أو تمنع الإفلاس عن انقرة، موضحاً أن تقييم التصنيف الائتماني لتركيا من قبل وكالات التصنيف الدولية “دقيق للغاية”.
واختتم المحلل الاقتصادي ناغي بكير تصريحاته بقوله: “هناك جولة ثانية للانتخابات.. وإذا فازت المعارضة -وهو سيناريو ربما غير محتمل- فسوف تبدأ المؤشرات الاقتصادية والمالية في التحسن.. بينما السيناريو الآخر يضع البلد على حافة الإفلاس والانهيار”، على حد تعبيره.
وكالات التصنيف: انتظروا “إفلاس” تركيا
ورصد تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية أخيراً عدداً من التقديرات التي أعلنت عنها وكالات التصنيف ومؤسسات مالية كبرى بشأن مستقبل الاقتصاد التركي في ضوء ما أظهرته نتائج الجولة الأولى.
وكالة موديز للتصنيف الائتماني: إذا فاز أرودغان فإن السياسات المالية غير التقليدية وغير المستدامة “سوف تستمر”، مع تزايد مخاطر التضخم والضغوط الكبيرة على الليرة التركية.. بينما تعود البلاد إلى السياسات التقليدية في حالة فوز كليتشدار، وبما ينعكس إيجاباً على الملف الائتماني السيادي على المدى الطويل.
وكالة فيتش: نقل التقرير عن أحد كبار المديرين في الوكالة، إريك أريسبي، قوله إن العجز الكبير في الحساب الجاري في تركيا، والذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 24 مليار دولار في الربع الأول من هذا العام، كان أيضاً “مشكلة كبيرة”.
تقرير لـ HSBC، أشار كذلك إلى أن عجز الحساب الجاري التركي كان أحد “نقاط الضعف” الرئيسية، وقال البنك إن البيانات التجارية لشهر أبريل تشير إلى أنه “لا يوجد مؤشر على أن التحسن جار على المدى القريب”.
فيما توقع المحلل في باركليز، إركان إرجوزيل، وصول عجز الحساب الجاري إلى حوالي 40 مليار دولار في الأشهر الـ 12 المقبلة، بينما ستحتاج تركيا إلى حوالي 30 مليار دولار لتمويل ذلك العجز.
ولفت تقرير الفاينانشال تايمز المشار إليه إلى أن حكومة أردوغان طبقت مجموعة من الإجراءات غير التقليدية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد التركي البالغ 900 مليار دولار.
وتضمنت تلك الإجراءات ضوابط مشددة على تحويلات الشركات للعملات الأجنبية وإطلاق حسابات التوفير الخاصة في العام 2021 لحماية المودعين من تقلبات الليرة، وغير ذلك.
إفلاس تركيا .. المؤيدون: التطورات العاصفة العالمية السبب
فيما لا يُحمل المؤيدون للرئيس التركي سياساته الاقتصادية مسؤولية ما آلت إليه الأمور بالبلاد، لا سيما في ضوء التطورات العاصفة العالمية التي أثرت تأثيراً مباشراً وكبيراً على الاقتصاد التركي، مثل الحرب في أوكرانيا وتبعاتها التي أثرت على اقتصادات العالم بأسره وخلفت تحديات بالجملة، بدءًا من أزمة أسعار الطاقة والغذاء وارتفاع معدلات التضخم، وأزمة سلاسل الإمداد وغيرها من الأزمات ذات الصلة التي لا يزال الاقتصاد العالمي يدفع ضريبتها حتى الآن.
كما عانت تركيا كذلك من تبعات الزلزال المُدمر الذي ضرب عدة مدن في السادس من شهر فبراير الماضي، والذي فاقت كلفته الاقتصادية الـ 100 مليار دولار، بحسب تقديرات الأمم المتحدة والتي أعلنت عنها مسؤولة ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لويزا فينتون، في وقت سابق.
على الجانب الآخر، يعتقد الخبير الاقتصادي التركي، كريم اولكر، بأنه “أياً كان الفائز في الانتخابات، فالاقتصاد في حالة ضعيفة.. إذا فاز كليتشدار فسيرث الأزمة الاقتصادية من أردوغان، وإذا فاز أردوغان فسيرث ما صنعته يداه!”.
وأضاف: “تمر تركيا بأهم فترة انتخابات خلال نصف القرن الماضي، وأعتقد بأنها واحدة من أهم العمليات الانتخابية ليس فقط في تركيا ولكن أيضاً في العالم.
وتُعد تركيا بوابة الخروج لروسيا المحظورة، كما أنها الدولة التي لديها أعلى فائض في الحساب التجاري مع الاتحاد الأوروبي، وتعني انقرة الكثير لأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، خاصة سوريا.
إفلاس تركيا .. أبرز تحديات الوضع الاقتصادي التركي:
1- فاتورة الزلزال الأخيرة تصل إلى ما بين 100 إلى 150 مليار دولار وفق عدد من التقديرات.
2- إدخال نظام التقاعد في سن مبكرة وضع أعباءً اقتصادية بمليارات الدولارت على كاهل اقتصاد البلد.
3- تحافظ الحكومة على الهدوء من خلال تقديم المساعدة الاجتماعية باستمرار للجمهور.
4- تبدو تركيا كشخص عاطل يعيش حياة فاخرة ويجدد ممتلكاته وسيارته.
5- الكثير من الإنفاق غير المهم بالاعتماد على الديون.
6- إنخفاض صافي الأصول الأجنبية في تركيا بسبب “المقايضات” .
7- تركيا تخسر 84 مليار دولار كل 120 ثانية
8- العملة المحلية فقدت قرابة الـ 70 % من قيمتها خلال السنوات الثلاث الماضية.
9- وصول التضخم عند أعلى مستوياته، وارتفاع معدلات البطالة بشكل حاد.
10- تراجع واضح جداً لدخل الفرد في تركيا.
تعهدات بإعادة تركيا إلى المسار الدقيق في هذه الحالة ؟
وهنا، بقى ان نقول، ان خصوم أردوغان تعهدوا بإلغاء كثير من التغييرات التي أدخلها الرئيس الحالي على تركيا، وقدموا برنامجا اقتصاديا طموحا تعهدوا من خلاله بجذب استثمارات بنحو 175 مليار دولار، وكبح جماح التضخم والبطالة.
وتعهد أوغلو، أيضا بالتخلي عن برنامج الودائع المحمية، وإعادة الاعتبار لليرة التي تعرضت لانهيارات متتالية، كما تعهد بإنهاء العمل ببرنامج الجنسية مقابل شراء العقارات، والعمل على إطلاق مناطق صناعية جديدة، وبناء مصانع قادرة على خفض البطالة وتعزيز قوة الليرة.
وواجه ملايين الأتراك معدلات تضخم جامحة لسنوات، وارتفعت أسعار المواد الغذائية 54 % على أساس سنوي في أبريل، مع انخفاض التضخم إلى 43.7 % بعد أن بلغ ذروته في أكتوبر عند 85.5 %، وهو أعلى مستوى خلال حكم أردوغان.
وخسرت الليرة التركية 44 % من قيمتها في عام 2021، و30 % في عام 2022، وتراجعت إجمالي 76 % في الولاية الرئاسية الثانية لأردوغان والتي شهدت عدة أزمات للعملة بسبب السياسات الاقتصادية غير التقليدية وتطورات جيوسياسية مثل حرب أوكرانيا والخلافات بين أنقرة وواشنطن.