تحظى العلاقات المصرية الأفريقية باهتمام كبير من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسي وكافة مؤسسات الدولة المصرية كما شهدت تلك العلاقات تطورات كبيرة منذ بداية عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2014 حيث شهدت العلاقات بين القاهرة ومختلف العواصم الأفريقية زخماً كبيرا على مدى السنوات العشر الماضية يعززه إرادة سياسية مصرية حقيقية على أعلى المستويات بالارتقاء بهذه العلاقات في كافة المجالات خاصة المجالات التنموية .
الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة المصري اختص ” أفرو نيوز 24″ بحوار شامل حول العلاقات المصرية الأفريقية ورؤية الدولة المصرية لتطويرها في جميع المجالات، مؤكدا أن هناك توجه كامل للدولة المصرية بتوجيهات من الرئيس السيسي بتعزيز التواجد المصري والعلاقات المصرية في القارة الأفريقية .
وكشف الدكتور عبد العاطي في حواره أن حجم استثمارات القطاع الخاص المصري في دول القارة الإفريقية يبلغ 14 مليار دولار، كما خصصت القاهرة 100 مليون دولار لتنفيذ مشروعات تنموية بما في ذلك بناء بعض السدود في دول حوض النيل الجنوبي طالما لا تمثل ضررا لمصر .
وتطرق وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي في الحوار إلي الرؤية المصرية لحل الأزمة في السودان وقضية السد الإثيوبي والعلاقات مع دول حوض النيل .
وفيما يلي نص الحوار :
>> سيادة الوزير أين تقف العلاقات بين مصر والدول الأفريقية وأفق تطوير هذه العلاقات في المستقبل القريب خصوصا مع الاهتمام الخاص الذي تبديه الدبلوماسية والدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقارة؟
– بالفعل كما ذكرت فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي يولي اهتماما شديدا بالتعاون مع أشقائنا في القارة الأفريقية، نحن ننظر إلى أفريقيا باعتبارها المستقبل الواعد لمصر لأن هناك فرص هائلة موجودة فيها إذ أن أفريقيا القارة الوحيدة التي تستطيع مضاعفة عدد سكانها حتى عام 2050 وتشهد نموا مضطردا في الطبقة الوسطى والقوة الشرائية.
وأفريقيا قارة شابة وبالتالي لديها سوق هائل متاح وفرص استثمارية وتجارية هائلة لذلك تحرص مصر كل الحرص على دعم وتوثيق علاقتها مع القارة الأفريقية كما أننا نفخر ونعتز بانتمائنا للقارة الأفريقية .
والاستراتيجية المصرية تجاه القارة الأفريقية ووفقا لتوجهات الرئيس السيسى تقوم على عدة محاور، الأول هو مزيد من الانخراط السياسي في أفريقيا وذلك من خلال تبني مصر لكافة القضايا التي تهم القارة وتبني مصر لأجندة 2063 في كل المحافل الدولية، وهذا ما نقوم به بالتأكيد سواء داخل الاتحاد الأفريقي أو في أطر الأمم المتحدة وأجهزتها.
وهناك تحرك تقوم به مصر في ملف يتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى ريادته وهو ملف إعادة الأعمار في القارة في مرحلة ما بعد النزاعات، وعلى هذا الأساس تبذل مصر جهودا ضخمة جدا لمساعدة أشقائها في أفريقيا للتعافي من الأزمات ومنع تكرار الصراعات من خلال تنفيذ مشروعات لإعادة الأعمار، وكما ذكرت الرئيس يتولى ريادة هذا الملف داخل الاتحاد الأفريقي.
وكما تعلم لدينا مركز القاهرة الدولي لتسوية الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام، وهذا المركز أصبح المركز الرائد داخل القارة الأفريقية خاصة فيما يتعلق بالربط بين قضية الأمن من ناحية والسلام والتنمية من ناحية الأخرى، لأنه لا يوجد تنمية من غير أمن ولا يوجد أمن بدون تنمية، وهذا الترابط يعتبر المحور الأساسي الذي يستند إليه عمل مركز القاهرة وبالتالي يقوم المركز بجهد كبير جدا في القارة الأفريقية للتدريب على فض المنازعات بالطرق السلمية وإعادة الدمج، وكيفية تأهيل وإعادة تأهيل أفراد الميليشيات وإعادة دمجهم داخل جيش خاصة بعد انتهاء الصراعات المسلحة، وكل هذه برامج مهمة جدا ونتيحها لأشقائنا الأفارقة أيضا من واقع ريادة الرئيس السيسى لملف إعادة الأعمار وهنا في العاصمة الإدارية الجديدة نحن نعتز باستضافة المقر الرسمي لمركز الاتحاد الأفريقي الخاص بإعادة الأعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات وهو موجود بتمويل سخي من الحكومة المصرية إسهاما منها في دعم قضية إعادة الأعمار في القارة الأفريقية .
هناك أيضا جهود مصرية هائلة تبذل في قطاع التنمية في أفريقيا من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية وهي الذراع التنموي لوزارة الخارجية في أفريقيا، حيث تقدم الوكالة برامج كبيرة جدا في الدعم الفني وبناء القدرات وترسل العديد من القوافل الطبية إلى أشقائنا في أفريقيا، ولدينا بعض الوحدات الطبية بما في ذلك العيادات الطبية سواء الثابتة أو المتنقلة في عدد من الدول الإفريقية، وهذه هي مسئوليتنا تجاه القارة لأننا دولة أفريقية وعلينا مسؤولية فى التضامن ودعم أشقائنا في القارة الأفريقية.
>> ماذا عن العلاقات التجارية والاستثمارية بين مصر ودول أفريقيا؟
هناك مجالات واعدة للتعاون بين مصر والقارة الأفريقية وأنا فخور جدا لأنه في خلال كل زياراتي الأخيرة للدول الأفريقية أسمع عبارات الثناء والإشادة بدور الشركات المصرية العاملة في القارة وعلى رأسها شركة المقاولون العرب التى تملك دورا كبيرا جدا في خدمة عملية التنمية في القارة وهذه الشركات من القطاع العام والقطاع الخاص معروفة بالاسم وفي تنزانيا هناك نموذج يحتذي به حيث يتولى تحالف مصري لأول مرة عملية إنشاء وتصميم والانتهاء من أحد أكبر السدود في أفريقيا وهو سد جوليوس نيريري والذي تم بخبرة وتكنولوجيا مصرية لأول مرة وتم الانتهاء من أكثر من 99% من السد وهناك أيضا مشروعات مصرية كثيرة في قطاع الزراعة كما أن قطاع صناعة الدواء المصري هو خير سفير لمصر في القارة الأفريقية.
وأود أن أؤكد أن الدولة المصرية اتخذت في الفترة الأخيرة بتوجيهات من الرئيس إجراءات محددة من خلال 3 آليات مهمة للغاية سيكون لها دور مهم جدا في إعادة تموضع مصر داخل القارة الأفريقية وتعزيز الدور المصري في القارة وأولى هذه الآليات هو بالتأكيد الآلية التمويلية الخاصة بدعم التنمية وإقامة مشروعات تنموية في دول حوض النيل خاصة حوض النيل الجنوبي المطلة على النيل الأبيض وهذه الآلية بدعم من الحكومة المصرية بتمويل يصل إلى حوالي 100 مليون دولار ونتواصل مع البنك الدولي والشركاء الدوليين لضخ أموالا إضافية لتنفيذ مشروعات تنموية بما في ذلك بناء بعض السدود في دول الحوض الجنوبي طالما أنها لا تمثل ضررا لمصر، وهذا يعكس أن مصر ليست ضد التنمية كما يروج البعض وخلال زيارتي الأخيرة إلى الكونغو الديمقراطية وبتوجيه من الرئيس تم التوقيع على اتفاق ثنائي يتضمن ضمن جملة أمور أخرى اعتزام مصر تمويل بناء سد هناك في الكونغو الديمقراطية كما أنه حينما زرت مؤخرا وزير الخارجية الأوغندي ومعه وزير الموارد المائية أعلنا أيضا اهتمامنا بتمويل أحد السدود في أوغندا على الحدود مع كينيا وهذا يعكس أن مصر ليست ضد التنمية وإنما هي فقط ضد إحداث ضرر للمصالح المصرية، باعتبار أن مصر دولة مصب جنبا إلى جنب السودان .
والآلية الثانية للعلاقات الاستثمارية والتجارية مع دول أفريقيا هي بالتأكيد الوكالة المصرية لضمان الصادرات والاستثمار في أفريقيا وهذه ستكون هامة جدا لأنها ستوفر التمويل والضمان للمشروعات والشركات الصغيرة والمتوسطة المصرية التي ترغب في العمل في إفريقيا فإذا كان هناك مستثمر أو رجل أعمال لديه رأس مال محدود ويريد أن ينفذ مشروع استثماري في دولة أفريقية خاصة في دول حوض النيل أو يريد إبرام صفقة مع إحدى الدول الأفريقية بمبالغ محدودة ويخشى من المخاطر السياسية ستوفر له الوكالة الضمان للدخول في مثل هذه العلاقة التجارية أو الاستثمارية دون أن يخشى من فقدان رأس ماله لأن الدولة هنا تدعمه وتقدم الضمان اللازم .
وكما ذكرت قامت الدولة المصرية وبتوجيه من فخامة السيد رئيس الجمهورية بمضاعفة موازنة الوكالة المصرية للشركة من أجل التنمية قامت لدعم مشروعات التنمية في القارة الأفريقية خاصة من خلال البرامج التدريبية وبناء القدرات وإيفاد القوافل الطبية وغيرها.
الخلاصة أن هناك توجه كامل للدولة المصرية لتعزيز التواجد المصري والعلاقات المصرية في القارة الأفريقية ومزيد من التعميق ومزيد من التواصل وفق مبدأ تحقيق المكاسب للجميع.
>> ماذا عن دور القطاع الخاص المصري؟
هناك استثمارات للقطاع الخاص المصرى تفوق الـ14 مليار دولار في القارة الأفريقية وكلها مشروعات مهمة تفيد أشقائنا الأفارقة وتفيدنا أيضا وسوف نستمر.
والأسبوع الماضي شهد اجتماعا مهما جدا برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصرى للجنة المعنية بتطوير العلاقات مع القارة الأفريقية وذلك يعكس كم تحظى العلاقة مع القارة الأفريقية بأعلى اهتمام ممكن من جانب الحكومة والدولة المصرية.
وهناك مشروعات للربط في القارة الأفريقية من خلال ممرات للنقل البري والجوي والبحري وهناك أيضا فكر جديد فيما يتعلق بإنشاء مناطق لوجستية في عدد من الدول الأفريقية وهذا الامر تقوده وزارة النقل مثلما يتم مع دولة رواندا وجيبوتي وتنزانيا وهذه خطوات مهمة جدا ستعزز تواجد ودور القطاع الخاص المصري في هذه الدول وأيضا الصادرات المصرية، وإذا كان لدينا مناطق لوجستية فبالتالي سيكون هناك بضائع وسلع ومنتجات مصرية موجودة ونستطيع الدخول إلى أسواق هذه الدول، لاسيما أن السلع والمنتجات المصرية معروفة بالاسم ولديها سمعة ممتازة خاصة الأدوية المصرية لديها بالتأكيد سمعة طيبة جدا، ونحن حريصون على فتح الأسواق الأفريقية أمام المنتجات المصرية مثلما نفتح أيضا أسواقنا أمام المنتجات الأفريقية، وهناك أيضا أفكار من خارج الصندوق يتم النظر فيها مثل مفهوم الصفقات المتبادلة أو المتكافئة وهذه مسألة مهمة جدا أيضا يتم النظر فيها
والخلاصة هناك رؤية واضحة للدولة المصرية وتوجهات رئاسية واضحة لمزيد من التواجد والانخراط في القارة الأفريقية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والتنموية، وبالتالي يمكن أن تلاحظ في الفترة الأخيرة زيارات متتالية وكثيرة في الدول الأفريقية وزيارات وزراء أفارقة لمصر.
>> جهودا كبيرة تبذلها مصر لحل الأزمة السودانية.. هل لكم أن تلقون الضوء على الدور الذي تقوم به مصر لحل الأزمة في السودان ووقف هذه الحرب بما يحفظ وحدة الأراضي السودانية ويحافظ على مؤسسات الدولة السودانية؟
منذ بدء الاضطرابات الداخلية في السودان في أبريل 2023، اضطلعت مصر بجهود حثيثة لدعم ومساندة الأشقاء في السودان في هذه اللحظة الفارقة والدقيقة، حيث استند الدور المصري على أهمية دعم المؤسسات السودانية، والحفاظ على سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السودانية، وجاء التحرك المصري في هذا الإطار عبر مسارات متعددة على المستويين السياسي والإنساني. فعلى المستوى السياسي، استضافت مصر مؤتمراً لدول جوار السودان في يوليو 2023، ثم مؤتمراً للقوى السياسية والمدنية السودانية في يوليو 2024، كما تعمل على استئناف عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ودعمه في الأطر متعددة الأطراف.
أما بالنسبة للشق الإنساني، فقد استقبلت مصر مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين وحرصت على توفير كافة الخدمات اللازمة للحياة بصورة كريمة لحين استتباب الأوضاع في بلادهم، كما عملت على نفاذ المساعدات الإنسانية للسودان من خلال تقديم المساعدات الإنسانية بصورة مباشرة للأشقاء السودانيين، بالإضافة إلى التنسيق مع المنظمات الدولية والدول المانحة لتعزيز الاستجابة الإنسانية للأزمة في السودان.
وقد شكلت زيارتي الأخيرة إلى بورسودان بتوجيه من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ترجمة عملية للتضامن المصري مع الشعب السوداني في مواجهة التحديات الجسيمة التي يواجهها، وتعبيراً عن وقوف مصر بجانب السودان في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها.
>> ما موقف القاهرة من دعوات بعض الأطراف لنشر قوات دولية أو إفريقية في السودان؟
مصر ترفض كافة أشكال التدخل الأجنبي في السودان، وتشدد على ضرورة أن ينبع حل الأزمة من السودانيين أنفسهم، وبما يحفظ وحدة وسيادة السودان، كما نشدد على أهمية دعم دور مؤسسات الدولة السودانية بما يمكنها من الاضطلاع بواجباتها في رعاية شئون الشعب السوداني.
>> مياه النيل أحد الملفات الهامة التي تحظى باهتمام كبير من الشعب المصري، والفترة الماضية تمت ملاحظة أن هناك تركيز من جانب مصر على هذا الملف.. فما هي الرسائل التي توجهها الدولة المصرية في هذا الملف؟
الأمن المائي هو ملف وجودي بالنسبة للدولة المصرية، وهو أمر مفروغ منه وغير قابل للعبث فيه أو التهاون بشأنه، ومصر دولة عريقة وكبيرة وقادرة على حماية مصالحها بصورة كاملة، وصون مقدرات شعبها وحقوقه.
>> عند الحديث عن العلاقات المصرية الإفريقية يبرز ملف العلاقات المصرية الإثيوبية.. فأين تقف العلاقات بين مصر وإثيوبيا، وهل هناك شروطًا مصرية لإعادة إطلاق مفاوضات السد الإثيوبي من جديد؟
انخرطت مصر في مفاوضات مع إثيوبيا على مدى أكثر من 13 عاماً بحسن نية حول السد الإثيوبي، وكانت لدينا رغبة صادقة يشهد لها الجميع لتحقيق المنفعة المشتركة وتحقيق مصالح الدول الثلاث، الا أن غياب الإرادة السياسية لدى اديس ابابا للتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن السد ادي الي استنفاد المفاوضات وتم اعلان انتهائها في ديسمبر ٢٠٢٣، ونتابع عن كثب التطورات ونستمر في التصدي لأية اجراءات مخالفة لقواعد القانون الدولي في النيل الأزرق، وسبق واكدت مصر علي عدة مستويات انها ستتخذ كافة التدابير المكفولة (اللازمة) بموجب ميثاق الأمم المتحدة لحماية مقدرات ومصالح الشعب المصري.