
تهديدات ترامب ترفع أسعار الطاقة عالميًا وتدفع دول أوروبا للتحوط
كتب شيرين نوار
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة، التي تضمنت تهديدات مباشرة بفرض رسوم جمركية على جميع واردات الصلب الألومنيوم، حالة من القلق على المستوى الدولي، وسط توقعات بارتفاع أسعار البترول والغاز خلال المرحلة المقبلة، وقد تحقق بالفعل ذلك خلال أيام من إصدار تلك التصريحات، حيث ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عامين مع زيادة السحب من المخزونات نتيجة درجات الحرارة المنخفضة وتهديدات الولايات المتحدة بفرض رسوم على وارداتها، كما ألقت تصريحات ترامب بظلالها السيئة أيضًا على أسعار الذهب والعملات أمام الدولار الأمريكي، وصعدت قيمة العقود الآجلة من النفط في أحدث التعاملات.
وقال المهندس بهاء غبريال، خبير الطاقة والثروة المعدنية، إن تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على جميع واردات الصلب والألومنيوم أدت إلى رفع أسعار الطاقة بشكل مباشر في جميع دول العالم، خاصة أن معظم دول العالم تستورد الطاقة بالسعر العالمي، ويتوقف السعر ارتفاعًا وانخفاضًا على حجم العرض والطلب والحروب والتوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة، ومن المتوقع عودة درجات الحرارة في شمال غرب أوروبا إلى التراجع في الأيام المقبلة، مما سيزيد الطلب على التدفئة، ومن ثم سيرتفع الطلب على الغاز، وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن يؤدي الطلب على التدفئة إلى زيادة معدلات السحب من المستودعات الأوروبية التي انخفضت مخزوناتها بالفعل إلى أقل مستوياتها منذ أزمة الطاقة الأوروبية في 2022، متوقعًا أن تتجه دول أوروبا إلى زيادة حجم الكميات التي تستوردها كنوع من التحوط ضد ارتفاع الأسعار خلال الفترة المقبلة، وكذلك تعويض ما تم سحبه من مخزونها الاستراتيجي وإرجاعه إلى معدله الطبيعي، ومع ارتفاع حجم الطلب على الغاز والنفط، ترتفع الأسعار حيث يخضع سوق النفط العالمي لحركة العرض والطلب.
وأشار غبريال إلى أن وزارتي البترول والكهرباء في مصر تبذلان قصارى جهدهما في توفير مخزون مناسب من الغاز والنفط حتى لا نتعرض لنقص الطاقة في الصيف المقبل مثلما حدث الصيف الماضي، ولجأنا إلى اتباع سياسة تخفيف الأحمال نتيجة عجز الطاقة، متوقعًا ألا نتعرض لهذه الأزمة مرة أخرى نتيجة قيام الحكومة بسداد مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مصر وتحفيزها على زيادة إنتاجها من البترول والغاز، إلى جانب التوسع في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة من خلال تشجيع القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية لضخ استثمارات جديدة في مشروعات إنشاء المحطات الشمسية ومحطات الرياح، ومشروع الهيدروجين الأخضر الذي يوفر كميات كبيرة من استخدام الوقود التقليدي في توليد الكهرباء، وكذلك مشروع الضبعة النووية الذي من المتوقع أن يدخل حيز التطبيق في 2028، علاوة على استيراد كميات من الغاز والبترول كنوع من التحوط ضد ارتفاع الأسعار مستقبلًا.
وقال غبريال إن الرسوم الجمركية قد يكون لها تأثير تضخمي وتضع مزيدًا من الضغوط على مجلس الاحتياطي الاتحادي للإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة، وتتوقع الأسواق خفض أسعار الفائدة بمقدار 36 نقطة أساس هذا العام، هبوطًا من 42 نقطة، لافتًا إلى أنه من المقرر أن تدخل الرسوم الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين على بعض الصادرات الأمريكية حيز التنفيذ أيضًا، مما يحقق نوعًا من التوازن في الأسعار ويحد من تأثيرات تهديدات ترامب وقراراته التعسفية.
وقال المهندس مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول سابقًا، إن تهديدات ترامب بشأن فرض رسوم جمركية تؤثر بشكل سلبي على أسعار الطاقة عالميًا، خاصة مع تزايد الطلب على البترول والغاز في موسم الشتاء نتيجة انخفاض درجات الحرارة وحاجة دول أوروبا إلى كميات إضافية لتلبية الطلب المحلي من التدفئة. مشيرًا إلى أن قرارات ترامب أثرت أيضًا على أسعار الذهب الذي ارتفع إلى أعلى مستوياته، وكذلك أسعار العملات أيضًا، حيث كان الدولار الكندي بين أكبر الخاسرين من عملات الدول المتقدمة، إذ صعد الدولار الأمريكي بنسبة 0.24% إلى 1.4329 دولار كندي، وكندا من أكبر موردي الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة، وانخفض اليورو بنحو 0.5% خلال التعاملات الآسيوية لكنه وصل في أحدث التعاملات إلى 1.03125 دولار بارتفاع 0.04% إلى 1.0332 دولار. كما ارتد الدولار الأسترالي من خسائره المبكرة ليرتفع في أحدث التداولات بنسبة 0.16% عند 0.6281 دولار.
وأشار خبير الطاقة إلى أن أسعار الطاقة تتأثر بالقرارات العالمية للدول الكبرى، والتي تتمثل في فرض رسوم جمركية أو عقوبات على بعض الدول، وكذلك الحروب والتوترات الجيوسياسية، لافتًا إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية عندما نشبت أشعلت أسعار الطاقة عالميًا.
وأوضح أن مصر ستتأثر بالأسعار العالمية شأنها شأن باقي دول العالم، حيث إن قرار ترامب بفرض رسوم جمركية سوف يؤثر على الاقتصاد العالمي وسيؤدي إلى رفع أسعار الطاقة عالميًا، ومصر تستورد الطاقة، وبالتالي ستتأثر بهذه الزيادات، خاصة مع وجود فجوة سعرية بين سعر تقديم الخدمة للمواطن بالسوق المحلي وبين سعر الاستيراد، لافتًا إلى أنه بالرغم من أن هناك تعديلات سعرية تحدث بالسوق المحلي بناءً على اجتماع لجنة التسعير التلقائي كل ثلاثة أشهر، إلا أنه لا يزال هناك دعم حكومي للطاقة، ولم نصل بعد إلى تقديم الحكومة الخدمة للمواطن بنفس سعر الاستيراد.
وكان الرئيس الأمريكي ترامب قد أعلن مؤخرًا عن رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة في تصعيد كبير آخر في سياسته التجارية، وقبل أسبوع واحد فقط، أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين لكنه علق فرض الرسوم على الدول المجاورة في اليوم التالي.
ومن المقرر أن تدخل رسوم جمركية فرضتها الصين انطلاقًا من مبدأ المعاملة بالمثل على بعض الصادرات الأمريكية حيز التنفيذ، إذ لا توجد أي إشارة حتى الآن على إحراز تقدم بين بكين وواشنطن.
ويسعى المتعاملون في سوق النفط والغاز إلى الحصول على إعفاءات من بكين لواردات النفط الخام والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة.