
يفتح باب الـ20 مليار دولار.. خارطة طريق للنهوض بالتصنيع الزراعى
يسري الشرقاوي: التصنيع الزراعي بوابة مصر نحو تعظيم القيمة المضافة وتحقيق الأمن الغذائي
محمد يوسف: 9 مليارات دولار صادرات زراعية في 2023… والتصنيع يفتح باب الـ20 مليار
إبراهيم درويش: التصنيع الزراعي يرفع العائد ويؤمن استقرار الأسعار ويوفر فرص العمل
في ظل الأزمات العالمية المتتالية في سلاسل الإمداد الغذائي، والتقلبات الاقتصادية التي تشهدها معظم دول العالم، أصبح ملف “الأمن الغذائي” أكثر الملفات أهمية، ليس فقط من الناحية المعيشية، بل أيضًا كأحد أعمدة الأمن القومي، وهنا، يبرز “التصنيع الزراعي” كأحد الحلول المستدامة والذكية، ليس فقط لمعالجة أزمة الغذاء، وإنما لدعم الاقتصاد الوطني، وتحسين حياة الفلاح، وتحقيق قيمة مضافة للمنتجات الزراعية.
التصنيع الزراعي لا يعني فقط تحويل الطماطم إلى صلصة أو البرتقال إلى عصير، بل يعني منظومة اقتصادية متكاملة تضمن تعظيم الاستفادة من كل حبة محصول، فالمنتج الزراعي في حالته الخام يكون عُرضة للتلف السريع، أما عند تصنيعه، فإنه يصبح منتجًا عالي القيمة، أطول عمرًا، وأوسع انتشارًا في الأسواق.
وأكد الدكتور يسري الشرقاوي، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، أن مصر تمتلك كل المقومات لتصبح دولة رائدة في التصنيع الزراعي، سواء من حيث تنوع المحاصيل، أو الخبرة الزراعية التاريخية، أو حتى الموقع الجغرافي القريب من الأسواق الواعدة في أفريقيا والشرق الأوسط.
وأشار الشرقاوي إلى أن التصنيع الزراعي يمكن أن يكون وسيلة فعالة لرفع دخل الفلاح المصري، بدلًا من بيعه للمنتج كخام بأسعار زهيدة، فالفلاح عندما يرى أن محصوله يُباع كمنتج مصنع بجودة عالية ويعود عليه بعائد أكبر، سيهتم أكثر بجودة الزراعة، مما ينعكس على سلسلة الإنتاج بالكامل.
التصنيع الزراعي لا يخدم فقط المستهلك، بل يُعد فرصة ذهبية للاستثمار، خصوصًا أن القطاع الزراعي في مصر يشهد توسعًا في المساحات المزروعة، إلى جانب توجه الدولة نحو تطوير البنية التحتية الداعمة لهذا القطاع.
وأشار الشرقاوي إلى أن القارة الأفريقية، على سبيل المثال، تستورد أغذية مصنعة بقيمة تتجاوز 50 مليار دولار سنويًا، وهي سوق ضخمة يمكن لمصر اقتحامها بقوة، إذا تم التركيز على تعزيز القدرة التنافسية، ورفع جودة المنتج المصنع.
كما أوضح أن الدخول في مجال التصنيع الزراعي يفتح المجال لتصدير الخبرات المصرية في المجال، من خلال إقامة مشروعات تصنيع غذائي في دول أفريقية تمتلك محاصيل زراعية بكميات ضخمة لكن تفتقر للخبرة أو الإمكانيات الصناعية.
من أجل الوصول إلى هذه الأهداف، أكد الشرقاوي أن هناك حاجة ماسة إلى خطة استراتيجية وطنية واضحة، تتضمن: إنشاء مدن صناعية متخصصة في التصنيع الغذائي ومناطق لوجستية مرتبطة به، تحفيز التكنولوجيا المرتبطة بالصناعة الغذائية عبر تسهيلات وحوافز مالية، دعم التعليم الفني والزراعي، وتحويل كليات التصنيع إلى كليات صناعية تجارية متقدمة وفق المعايير الدولية، رسم خريطة بالمشروعات الصناعية الغذائية، وفقًا لأولويات السوق المحلي والعالمي، فتح شراكات دولية بالتعاون مع وزارة التعاون الدولي لربط الصناعة المحلية بالتطورات التكنولوجية العالمية.
مصر لم تسجل أي حالة رفض لمنتج زراعي في السنوات الخمس الماضية
من جانبه، قال الدكتور محمد يوسف، أستاذ الزراعة والمكافحة الحيوية بجامعة الزقازيق، إن مصر لم تسجل أي حالة رفض لمنتج زراعي في السنوات الخمس الماضية، وهو ما يعكس قوة المنظومة الرقابية والجودة العالية للمنتجات.
وأكد أن الصادرات الزراعية المصرية بلغت في عام 2023 حوالي 7.5 مليون طن بقيمة 9 مليارات دولار، وتجاوزت 8.6 مليون طن خلال العام الماضى، هذا التطور السريع يؤكد أن السوق العالمي يثق في المنتج المصري، كما تستهدف رفع الصادرات الطازجة إلى 9 ملايين طن بنهاية العام.
وأشار إلى أن التصنيع الزراعي يمكنه دفع هذه الأرقام لأعلى بكثير، فإذا تم تصدير 50% من المحاصيل على هيئة منتجات مصنعة، فإن العائد يمكن أن يصل إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويًا من الصادرات الزراعية فقط.
وأوضح أن هناك حوالي 400 منتج زراعي مصدر من مصر إلى 163 دولة حول العالم، مما يعني أن السوق مفتوح أمام التطوير والزيادة.
في ذات السياق، أوضح الدكتور إبراهيم درويش، أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة بجامعة المنوفية، أن مصر تولي اهتمامًا كبيرًا بالقطاع الزراعي من خلال توسيع الرقعة الزراعية وإقامة مجتمعات زراعية جديدة، مشيرًا إلى أن الفرق بين تصدير المنتج خامًا أو مصنعًا كبير.
وأضاف أن تصنيع الطماطم إلى صلصة، أو الموالح إلى عصائر، يمكن أن يضاعف العائد الاقتصادي، مشيرًا إلى أن القيمة المضافة هي مفتاح الربحية الحقيقية، كما أشار إلى أن مصر تملك نماذج ناجحة بالفعل مثل مصانع العوينات للبطاطس، ومصانع السكر والزيوت، التي تظهر بوضوح أهمية التصنيع الزراعي.
وأكد الشرقاوي أن النهضة الصناعية لا يمكن أن تتم بمعزل عن القطاع الزراعي، الذي يعتبر مصدرًا رئيسيًا للمواد الخام، سواء في الصناعات الغذائية أو المنسوجات، وضرب مثالًا بصناعة السكر التي تعتمد على قصب السكر والبنجر، وصناعة الزيوت التي تعتمد على الزيتون، مشددًا على أهمية التكامل بين الزراعة والصناعة لبناء اقتصاد قوي ومستدام.
واختتم حديثة بالإشارة إلى أهمية دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في القطاع الزراعي، سواء عبر تصنيع الأغذية أو التجارة في مستلزمات الزراعة مثل الأسمدة والبذور والتعبئة والتغليف.