
عالم بلا وقود.. إغلاق مضيق هرمز يحبس أنفاس الدول والحكومات
شريان مائي يعبره 18 مليون برميل نفط يوميًا
يبدو أن العالم على وشك مواجهة أزمة ربما لم يسبق لها مثل، في ظل التطورات الخطيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، على أثر الحرب بين إيران وإسرائيل، وتدخل الولايات المتحدة فيها لصالح تل أبيب.
ولا تقتصر المخاطر التي تحبس حكومات العالم أنفاسها ترقبًا لتداعيات ما يجري، على الغيرات الجيوسياسية السريعة التي تتمدد نتائجها تباعًا دون أن تترك مكانًا لا تؤثر فيه، إنما تخشى حكومات مختلف الدول من الولوج إلى نفق مظلم يرتبط بشح الوقود، في ظل تهديدات إيرانية بإغلاق مضيق هرمز، الذي يعد أكبر وأهم شريان ملاحي تمر عبره سفن الطاقة لتجوب العالم شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا.

علام بلا وقود
وعاد مضيق هرمز إلى واجهة المشهد الدولي، بعد أن وافق البرلمان الإيراني مبدئيًا على مشروع قرار يجيز إغلاق المضيق، في خطوة وصفت بأنها تهديد بإشعال حالة اضطراب غير مسبوقة في أسواق النفط والغاز العالمية.
وفي حال تنفيذ هذا القرار، فإننا سنكون أمام عالم بلا وقود، وربما حالة إظلام تاريخية.

ما هو مضيق هرمز؟
مضيق هرمز هو ممر بحري ضيّق يربط الخليج العربي بخليج عُمان، ومنه إلى بحر العرب.
ويفصل المضيق بين السواحل الجنوبية لإيران، وشمال سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة، ويعد بوابة عبور رئيسية لصادرات النفط القادمة من الدول الخليجية نحو الأسواق العالمية.
ويبلغ عرض المضيق في أضيق نقاطه نحو 33 كيلومترًا فقط، ما يجعله واحدًا من أكثر الممرات المائية حساسية وأهمية في العالم.
ما سر الأهمية العالمية للمضيق؟
تكمن أهمية مضيق هرمز في كونه الطريق البحري الوحيد تقريبًا لنقل النفط من أكبر الدول المصدّرة في العالم، مثل: السعودية، والإمارات، والعراق، والكويت، وقطر، نحو الأسواق في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
وتمر عبر المضيق يوميًا نحو 20% من صادرات النفط العالمية، وهو ما يعادل تقريبًا 17 إلى 18 مليون برميل يوميًا، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ـ EIAـ كما تمر كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال، خاصة من قطر، ثاني أكبر مصدر للغاز عالميًا.
إضافة إلى النفط والغاز، يعد المضيق أيضًا معبرًا رئيسيًا لناقلات الشحن الكبرى، والسفن العسكرية، وهو ما يكسبه بعدًا جيوسياسيًا بالغ الخطورة، خاصة في ظل التوترات العسكرية المتكررة بالمنطقة.

إيران تهدد والعالم يحبس أنفاسه
التصعيد الأخير بدأ مع تصاعد حدة الاشتباك غير المباشر بين إيران وإسرائيل، حيث أعلن نائب وقائد في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل كوثري، أن “خيار إغلاق المضيق مطروح بقوة”، مضيفًا أن تنفيذه سيتوقف على تطورات المرحلة المقبلة.
في المقابل، اعتبرت واشنطن أن أي خطوة لإغلاق المضيق ستكون “انتحارًا اقتصاديًا” لإيران، بحسب تصريحات نائب الرئيس الأمريكي، مشيرًا إلى أن اقتصاد طهران نفسه يعتمد على استمرار تشغيل المضيق لتصدير نفطه.
وفي ظل هذه التهديدات، رفعت البعثات البحرية الأوروبية، ومراكز أمن الملاحة، درجات التأهب في المنطقة، خاصة للسفن المرتبطة بمصالح أمريكية أو إسرائيلية، فيما بدأت شركات الشحن، مثل: “ميرسك” و”هاباغ لويد” في تقييم المسارات البديلة، والاستعداد لتغيير الخطط التشغيلية.

سيناريوهات الظلام
ويؤكد خبراء الطاقة أن أي إغلاق فعلي للمضيق لن يؤدي فقط إلى نقص حاد في الإمدادات، بل سيقود إلى انفجار في الأسعار العالمية، خاصة في ظل هشاشة السوق بعد سنوات من اضطراب سلاسل الإمداد بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
وقال خالد أبو بكر، رئيس الاتحاد الدولي للغاز، إن الأسواق تتفاعل بقوة مع التهديدات، حتى قبل أن تتحقق، مشيرًا إلى أن أسعار الغاز حاليًا أعلى بنحو 20% من مستوياتها الطبيعية، نتيجة التوترات الإقليمية وحدها.
ورغم أن بعض الدول، مثل: الجزائر وقطر لم تتأثر صادراتها حتى الآن بسبب موقعها الجغرافي الأبعد عن مناطق التصعيد، فإن استمرار التصعيد قد ينعكس تدريجيًا على حركة النقل البحري بأكملها في الخليج العربي وبحر العرب، مما يضع العالم أمام أزمة حقيقية في الوقود ربما يجد صعوبة بالغة في تجاوزها دون خسائر يستمر تأثيرها لعقود.