طفت علي السطح في الآونة الأخيرة مشكلة التغير المناخي، ولقد حظيت هذه المشكلة باهتمام كبير علي الصعيدين الدولي والداخلي، لما لها من أهمية من حيث كونها ترتبط بوجود الإنسان علي هذا الكوكب، لدرجة أن البشرية أصبحت مهددة في بقائها واستمرارها علي وجه الأرض ، لما تواجهه من مهددات مناخية خطيرة تمس بشكل مباشر صحة الإنسان وحياته.
مخاطر التغير المناخي
فهذه المشكلة تؤدي إلي التدهور البيئي ، وما يشمله ذلك من تلوث الهواء والماء ، وارتفاع واضح في درجات الحرارة ، وتأكل السواحل، وأرتفاع نسبة الملوحة في التربة، مما يؤثر علي انخفاض في كافة المنتجات الزراعية، ناهيك عن التصحر وتدهور الأراضي الصالحة للزراعة، وتلوث البحار وما يؤدي إليه من انخفاض في الثروة السمكية .
التدخل الدستوري والقانوني
ونظرا لأهمية المشكلة وعمق أثرها فقد تدخل المشرع الدستوري لحماية البيئة ومكوناتها ، وفقد نصت المادة ٤٥ من الدستور المصري الصادر في عام ٢٠١٤ علي أنه : تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية.
ويحظر التعدى عليها، أوتلويثها، أواستخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن فى التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر، والحفاظ علي الثروه النباتية والحيوانية والسمكية، وحماية المعرض منها للإنقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون.
كما نصت المادة 46 من الدستور علي أنه : لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني.
وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها.
وعلي مستوي القوانين فقد كان اهتمام المشرع المصري ملموساً في شأن التغلب علي مشكلة تلوث الهواء ، والتي تُعد من أهم المخاطر التي تهدد البيئة ، وتضر بالصحة ، ولذلك سعي المشرع المصري جاهداً إلي تقليل معدلات تلوث الهواء عن طريق وضع حزمة من التشريعات التي يمكن عن طريقها مواجهة مشكلة تلوث البيئة الهوائية .
ويقصد بتلوث الهواء تغيير طبيعة البيئة الهوائية الداخلية والخارجية بأي عامل كيمائي أو فيزيائي أو بيولوجي ، فيؤثر علي الخصائص الطبيعية للغلاف الجوي .
ونرصد في هذا المقال بعض مواقف المشرع المصري وهو بصدد تجريم بعض الأفعال التي ينتج عنها تلوث البيئة الهوائية :-
استخدام آلات أو محركات أو مركبات ينبعث منها عادم أو دخان كثيف :
فقد جرم المشرع استخدام آلات أو محركات أو مركبات ينتج عنها عادم أو ينبعث منها دخان كثيف أو صوت مزعج يجاوز الحدود التي تحددها اللائحة التنفيذية لقانون البيئة .
ولقد أجازت المادة 36 من قانون البيئة المعدلة بالقانون رقم 9 لسنة 2009 في فقرتها الثانية لمأموري الضبط القضائي من ضباط شرطة البيئة والمسطحات المائية وقف تشغيل أو تسيير الآلات أو المحركات أو المركبات وسحب تراخيصها لحين أزاله أسباب المخالفة .
ويلاحظ أن هذه التجريم مقرر أيضاً بموجب قانون المرور رقم 66 لسنة 1973 ، إلا أن سلطة مأموري الضبط القضائي المقررة لشرطة البيئة والمسطحات المائية تبدو أوسع منها لضباط المرور ؛ حيث تشمل الأولي مراقبة كافة المحركات من مركبات ومنشآت ومصانع ، ولا تقتصر علي محركات السيارات والمركبات فقط .
فهذا التجريم يمتد ليغطي كافة المحركات والآلات التي ينبعث منها عادم أو دخان كثيف ، فلا يقتصر ذلك علي المركبات أو السيارات بل يشمل المصانع التي تقوم بتشغيل محركات أو آلات ينتج عنها عادم أو دخان يتجاوز الحدود المسموح بها .
حظر التدخين في الأماكن العامة :
كما نرصد أيضاً موقف المشرع المصري من حظر التدخين في الأماكن العامة ، وذلك للوقاية من أضرار التدخين في وسائل النقل العام والأماكن العامة والمغلقة التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الصحة ، فقد نصت المادة 6 من قانون الوقاية من أضرار التدخين رقم 52 لسنة 1981 علي هذا الحظر ، وعاقب المشرع علي مرتكب هذا الفعل بعقوبة الغرامة التي لا تقل عن خمس جنيهات ولا تزيد علي عشرين جنيهاً .
ويلاحظ أن هذه الجريمة وردت في قانون البيئة أيضاً ولكن بصورة مختلفة وبعقوبة أكبر .
حظر الحرق المكشوف للقمامة :
كما نرصد أيضاً جريمة حرق القمامة أو إلقائها في غير الأماكن المخصصة لها ، فقد جرم المشرع الحرق المكشوف للقمامة والمخلفات الصلبة ، وقد عاقب في المادة 37 أ من قانون البيئة المعدلة بالقانون رقم 9 لسنة 2009 من يرتكب هذا الفعل بالحبس مدة لا تزيد علي سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنية ولا تزيد علي مائة ألف جنية أو بأحدي هاتين العقوبتين.
حظر تداول المواد المستنفذة لطبقة الأوزون :
فقد جرم المشرع في المادة 47 مكررا من قانون البيئة والمعدلة بالقانون رقم 9 لسنة 2009 التعامل أو الاتجار غير المشروع في المواد المستنفذة لطبقة الأوزون أو استخدامها في الصناعة أو استيرادها أو حيازتها بالمخالفة للقوانين والقرارات الوزارية المنظمة لذلك وكذا الاتفاقات الدولية التي تكون جمهورية مصر العربية طرفاً فيها ، ولقد عاقب المشرع علي ارتكاب هذه الجريمة بالغرامة التي لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد علي عشرين ألف جنيه ، وفي حالة العود تضاعف الغرامة .
ولا شك أن هذه القوانين تستهدف بشكل صريح كفالة حق الإنسان في بيئة آمنة مستدامة، وهو حق هذه الأجيال في حاضرنا، وحق الأجيال في المستقبل، وذلك للتمتع ببيئة آمنة ونظيفة ومستقرة.