تعاني مصر من فجوة تمويلية ضخمة بعد أزمة روسيا وأوكرانيا والتي أثرت بشكل كبير على اقتصادات العالم وأدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة إلى نسب غير مسبوقة وهو ما انعكس على نسب التضخم في العالم، والذي أدى بدوره إلى استدعاء أداة الفائدة من قبل البنوك المركزية لكبح التضخم، وبدوره أفضى إلى خروج نسبة كبيرة من النقد الأجنبي خارج الدول الناشئة ومنها مصر والتي عرفت بـ” الأموال الساخنة” نتيجة رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة بنسب بلغت حتى الفترة الراهنة نحو 5%.
وخفضت وكالة ستاندرد أند بورز العالمية للتصنيف الائتماني وخدمات المستثمرين نظرتها المستقبلية للديون المصرية من مستقرة إلى سلبية، محذرة من مخاطر عدم القدرة على تلبية احتياجات البلاد التمويلية الخارجية إذا لم تنفذ الإصلاحات الاقتصادية المرتبطة ببرنامج قرض صندوق النقد الدولي.
وتعكس التوقعات المتشائمة “مخاطر أن تكون السياسات التي تنفذها السلطات المصرية غير كافية لتحقيق استقرار سعر الصرف وجذب تدفقات العملة الأجنبية” اللازمة لتلبية احتياجات التمويل الخارجية، حسبما ذكرت الوكالة في أحدث تقرير لها ، والذي أبقت فيه التصنيف الائتماني للأصول السيادية لمصر عند “B”.
مصر بحاجة إلى 37 مليار دولار من التمويلات الخارجية حتى يونيو 2024
قدرت ستاندرد أند بورز احتياجات التمويل الخارجي لمصر بـ 17 مليار دولار للعام المالي الحالي 2023/2022 و20 مليار أخرى للعام التالي، وثمة 26 مليار دولار من هذا المبلغ مطلوبة لتمويل عجز الحساب الجاري على مدى العامين.
وتتوقع الوكالة حاليا “تلبية هذه المتطلبات إلى حد كبير”، مع ما يقرب من 10 مليارات دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر والباقي يأتي من استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي وتدفقات المحافظ والقروض الجديدة. وتفترض الوكالة تغطية أي فجوات تمويلية خارجية من خلال دعم إضافي من حكومات دول الخليج، طبقا للتقرير.
وكانت هناك أدلة “محدودة نسبيا” على مضي السلطات في تنفيذ الإصلاحات المدعومة من صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يزيد كلا من الضغط على الجنيه ومخاطر “تأخير أو عدم إتاحة” المقرضين التمويلات المتفق عليها لمصر واللازمة لتلبية احتياجات البلاد التمويلية، بحسب الوكالة.
وفي إطار برنامج بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، التزمت مصر بالحفاظ على سعر صرف مرن بشكل دائم وخفض مساهمة الدولة في الاقتصاد من خلال برنامج الطروحات الحكومية واسع النطاق وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص وتحسين شفافية الشركات المملوكة للدولة والقوات المسلحة.
يترقب المستثمرون صورة أوضح بشأن سياسة سعر الصرف والمنافسة العادلة: تقدم برنامج الطروحات الحكومية “يتوقف على مزيد من الوضوح من قبل السلطات بشأن سياسات سعر الصرف”، حسبما ذكرت ستاندرد أند بورز.
أضافت أن المستثمرين قد يكونوا قلقين أيضا بشأن ممارسة الأعمال في مصر إذا لم يكن هناك المزيد من الإجراءات لزيادة الشفافية وتكافؤ الفرص.
في الأسابيع الأخيرة، توقفت المفاوضات مع السعودية والإمارات وقطر بشأن ضخ مليارات الدولارات في البلاد من الاستثمارات التي تعهدت بها العام الماضي، وسط حالة من عدم اليقين بشأن سعر صرف الجنيه وإشارات على حاجة حلفاء مصر الخليجيين لرؤية المزيد من التقدم بشأن الإصلاحات قبل الاستثمار في البلاد.
ستاندرد أند بورز ترجح المزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه
تتوقع وكالة التصنيف انخفاض العملة المحلية بنسبة 53% في العام المالي 2023/2022، على أن تواصل التراجع بشكل طفيف في الأعوام التالية. لم يتغير سعر الصرف الرسمي كثيرا منذ أوائل مارس وسط استمرار شح العملات الأجنبية، ما تسبب في اتساع الفجوة السعرية بين السوقين الرسمية والموازية وإثارة التكهنات حول اضطرار البنك المركزي لاحقا إلى مزيد من خفض قيمة العملة. انخفضت قيمة الجنيه بنسبة 39% منذ بداية عام العام الجاري.
هل وثيقة سياسة ملكية الدولة الحل؟
تهدف وثيقة سياسة «ملكية الدولة» التي أقرها مجلس الوزراء المصري، تمهيداً لعرضها على الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى «إدارة الأصول المملوكة للدولة بالشكل الأمثل، وتهيئة مناخ الاستثمار في مصر بشكل أفضل». ووفقاً لمجلس الوزراء المصري «تسهم الوثيقة في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتعطي صورة متكاملة لوجود الدولة المصرية في القطاعات والأنشطة الاقتصادية خلال السنوات المقبلة».
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوثيقة تعني أن تخرج الدولة من قطاعات استثمارية واقتصادية بعينها، ويحل محلها المستثمرون، لكنّ ذلك بنسب تختلف من قطاع إلى آخر، والفكرة العامة تركز على توقف الدولة عن منافسة القطاع الخاص، وعدم التدخل في مشروعاته».
ويشير النحاس إلى أن «تطبيق الوثيقة سوف يفتح المجال لضخ استثمارات جديدة في الاقتصاد المصري، مثل القطاعات الخدمية وقطاع السياحة»، لكن حسب النحاس «تطبيق الوثيقة يحتاج إلى ضوابط ولوائح تنفيذية لضمان ضخ الاستثمارات في القطاعات التي تحتاج للنهوض بها، لأن أي مستثمر طبيعيٌّ أن يهتم بالربح في الأساس من دون النظر لجدوى مشروعاته للبلد التي يستثمر بها».
ومرت الوثيقة –حسب مجلس الوزراء- بستّ محطات تضمنت مناقشات من مجموعات عمل ولجان من 10 جهات ووزارات مصرية، إلى أن نوقشت في المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ثم طُرحت للحوار المجتمعي.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، إن «الهدف الأساسي من وثيقة سياسة (ملكية الدولة) هو وضع إطار تنظيمي واضح ومحدد، يتم من خلاله تنظيم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية، ويعمل في الوقت نفسه على (طمأنة) المستثمرين في الداخل والخارج على استثماراتهم؛ سواء على المدى المتوسط أو المدى البعيد»،
أوضح أنه «بعد عرض الوثيقة المهمة على الرئيس السيسي، سنبدأ مرحلة جديدة من العمل والجهد وفق هذا الإطار التنظيمي المحدد بالوثيقة، والاستمرار معاً يداً واحدة، دولةً وقطاعاً خاصاً، في مواجهة التحديات التي تواجهنا، بسبب التداعيات السلبية المتلاحقة نتيجة الأزمات التي يشهدها العالم أجمع».