• logo ads 2

تدوير الذات وتطويرها

بقلم/ مستشار دكتور محمد جبريل إبراهيم 

alx adv
استمع للمقال

حكي لي أحدهم أنه عندما شعر بتراقص المبني الذي يسكن فيه علي أثر زلزال ، فهم مسرعاً وأيقظ أولاده الثلاث وزوجته ثم حمل الأطفال الثلاث في خطفة واحدة ، ثم خطف حقيبة ثقيلة من دولاب ملابسه لم يصرح بمحتوياتها ، ونزل إلي الشارع وأولاده علي كتفيه ،وحقيبته الثقيلة في يده ، وزوجته من خلفه ، كل ذلك في لحظات معدودة ، لا يقدر علي انجازها إلا أولي القوة من الرجال .

اعلان البريد 19نوفمبر

 

وحكي لي آخر وهو كهلاً عجوزاً أنه كان مريضاً وطريح الفراش ، وعندما سمع بخبر سعيد عند أحد أقرباءه قفز من علي فراشه ، وأخذ الطريق بالخطوة السريعة وفي نفس واحد ، وكأنه شاب في العشرين .

 

فما لا يجب أن تشك فيه أن هناك في عقلك الباطن عقل أكبر وأذكي من عقلك هذا الي تعرفه في أوقات الدعة والراحة ، وليس هذا وحسب بل أن هناك بداخلك شخص آخر أقوى منك وأشجع منك واكفأ منك ولديه القدرة الفائقة على النجاح وتجاوز المواقف وتحقيق المستحيل .

 

وكل ما عليك هو العثور علي مفتاح ذاتك ، فإن تعلمت كيفية الدخول إلي عالم الذات سوف تتمكن من تطويرها وصيانتها وتحفيزها علي أداء واجباتها التي تمكنك أنت من الوصول إلي ما تحتاج بكل سهولة ويسر ، فما يثر العجب هو ما تخفيه الذات من مكنات كامنة يذهل لها العقل ، ولا تظهر إلا حين استدعائها في أوقات معينة ، ولا تحتاج هذه المكنات إلا التدوير أو التطوير أو الصيانة .

وهذا التدوير والتطوير سمة من سمات البشر ، فليس فقط وكما يقال أن من أهم خصوصيات الإنسان أنه مخلوق ناطق ، فهناك طيور تقدر علي النطق مثل الببغاوات ، وليس فقط أن من خصوصيات الإنسان القدرة علي الضحك فالقرود تتقن الضحك والقهقهة ، ولكن الذي يميز الإنسان بصورة واضحة عن غيره من المخلوقات هو ما يملكه من قدرة علي التطور والتدوير ، ولا أقصد بالتدوير و التطور ما يطلق عليه التكييف مع الطبيعة ، فالتكييف يُعد من ملائمات معظم الحيوانات عندما تشعر بالخوف أو بدنو الخطر .

 

وهذا التكييف يّمكن الحيوان من العيش في الأجواء القاسية ، وذلك عن طريق تطويع قواه وقدراته لتحمل المتاعب والمآسي ، أما التدوير والتطوير فيعني تسخير القوي والقدرات لإزالة المتاعب والمآسي ، ولقد أودع الله في مكنون كل نفس القدرة علي تخطي العقبات ، وإزالة المتاعب بشرط تشغيل الدماغ ، وتحفيز الذكاء ، ولذلك فإذا عاقك عائق فما عليك إلا العودة إلي ذاتك وتطويرها ، وما عليك إلا الدخول الى اعماقك ، والبحث في عقلك الباطن ، والتدوير لتكوينك الداخلي القديم ، وستري قطع غيار تحتاج إلي التغير ، وأجزاء تحتاج إلي الصيانة والرعاية ، كما ستري عناصر لم تستخدم بعد .

 

وكن علي يقين أن في ذاتك مستودع لعناصر وأدوات احتياطية إضافية لاستخدامها عند اللزوم ، فعندما تفقد العون والمساعدة الخارجية فأبحث عن الدعم الداخلي بين جوانحك ، وعندما تفتقد الود والحب ممن حولك فأستلهم المشاعر من وجدانك وعواطفك ، وعندما ترى نفسك وحيدا في هذا الوجود وتجد نفسك تعيش في اجواء موحشة باردة فأستدفئ بحرارة جسدك ودفء أعضائك .

ففي ذاتك مجتمع آخر وثيق يسكن فيك ، غير ذلك المجتمع الذي تسكن فيه وهو خارجك ومن حولك ، وهو الذي أقدر علي مدك بالصمود ، ومنحك ما تريد من حاجات ، إذا ما استطعت تطويرها وتدويرها لمواجهة العقبات المستجدة .

 

ولن يكون الأمر سهلاً فكما المجتمع بخيل في منحك الدعم والمساعدة ، فإن الذات هي كذلك قاسية في الاستجابة لدعواتك ، فلن تقم بتغيير ما اعتادت عليه منذ زمن بمجرد دعوتك المتأخرة ، بل عليك معاودة البحث وتكرار المحاولة حتي تستجيب ذاتك لدعوتك ، فهي كالوحش الذي يحتاج إلي الترويض والتدريب والمسايسة .

 

فالأمر لن ينجح بسهولة من المرة الاولى أو الثانية ، بل يحتاج إلي قدر كبير من الصبر و الذكاء والفهم لإعادة تدوير الذات وتطويرها ، وإعادة ضبطها ضبط المصنع ، وتسطيبها وبرمجتها فكريا ونفسيا ، واعادة اسقاط الواقع من خلال زوايا نظر مختلفة وجديدة ومستحدثة ، كما يحتاج الأمر إلي صيانة بعض الأركان أو تدعيم بعض الأجزاء ، ونفض الغبار عن الافكار المخزنة دون استعمال واعادة استعمالها وتفعيلها من جديد ، فما زال الشاب الذكي الطامح كامن بداخلك ، وما زال هذا الفتي القوي الشديد نابضاً في قلبك .

فهيا بنا نبدأ ونعيد ضبط المصنع من جديد ، ولنستغني عما بداخلنا من أجزاء متهالكة ونلقها في مدفن النفايات البعيد ، ثم نعيد صيانة ما أنهك من أركان ونمسح التراب من علي سطحه ليعود إليه بريقه ، ثم أخيراً نستدعي المهام الجديدة لتدخل في دولاب العمل وتقوم بدورها الجديد ، وعلي بركة الله نبدأ المسير .

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار