• logo ads 2

أزمة الثقافة

بقلم/ مستشار دكتور محمد جبريل إبراهيم

alx adv
استمع للمقال

تطل علينا من وقت لأخر بعض الآراء الغريبة ، و الأفكار المنحرفة ، وهو ما يكشف أننا نعيش اليوم في أزمة ثقافة ، حيث صار البعض يتباهى بالألقاب كالمفكر والمثقف والكاتب والشاعر والأديب والمذيع ، فيفرح بالتنميقات التي وضعها على وجه صفحة الفيس بوك الخاصة به ، دون أن يكون له أي منتج ثقافي أو فكري يمكن أن يحدث أثراً فيمن حوله ، وإن كان هناك أثر فقد كان في انتشار التباهي الفارغ والتظاهر الكاذب .

اعلان البريد 19نوفمبر

وإذا كان يمكن التسامح مع مدعي الثقافة في تباهيه بالتفكير ، وتظاهره بالإبداع ، فتترك له المنصات ، وأغلفة المجلات ، وتنويه الإعلانات ، فإنه لا يمكن التسامح معه في خيانته الثقافية التي يرتكبها عندما يخالف القواعد العلمية والفكرية في منهج البحث والتفكير ، فينحرف في فكرته ، ويتسلط في رأيه ، ويؤسس مقالته علي أكاذيب ومغالطات ، مقتاداً في ذلك لهواه غير المنضبط ، و مأربه غير السوي .

فما أكبرها من خيانة أن ينساق مدعي الثقافة وراء رأيه الشخصي بدون سند علمي أو واقعي ، ويبني عليه رأي عام ينشره علي المجتمع ، ويؤثر به علي الجمهور ، مستغلاً ما أتيح له من وسائل انتشار واسعة ، فيمارس بها نوع من الخيانة الثقافية التى تفوق في ضررها على المجتمع ضرر الخيانات الأخرى ، فالخيانة المعنوية أشد من الخيانة الحسية .

فليس معني أن هذا المثقف لا يتفق مع رأي الآخر أن يشوه صورته ، أو ينال من سمعته ، ويلسن علي مقامه ، فالفكر والرأي لا يبني علي أهواء أو أذواق أو مآرب شخصية ، فيري في الثقافة أنها مجرد توجيه النقد إلي كل من يخالفه دون تمحيص بين الحق والباطل، أو تفريق بين الإصلاح والإفساد، فإن النقد لمجرد النقد ليس ثقافة، والتجريح الشخصي كذلك لا ينتمي للثقافة في شيء، بل الثقافة الحقيقة هي التي تؤسس علي علم وعلي فهم للواقع ،وعلي منهج علمي محايد ، يقود إلي النقد الموضوعي المبني على قدرة الشخص على التحليل، وقوة حجته ودليله، وما عداها هو ادعاء للثقافة ومحاولة لتسليط الأضواء وكسب الشهرة والصيت .

ومع كامل الأسف فقد برزت اليوم ظاهرة مقيتة يقودها أشباه المثقفين الذين يرتكبون الخيانة الثقافية كل يوم بكل أريحية وتساهل ، فيغلبون الأهواء في إطلاق الآراء بدون وعي كالببغاوات التي تردد الأقوال بدون وعي أو إدراك ، فأصبحت هذه الأقوال غير الصحيحة تشكل العامود الفقري لآراء المفكرين وقادة الرأي وأهل الحل والعقد .

ففي هذا الزمن تطلق الفكرة الرديئة ممن يّدعون الثقافة ، ولا يأبهون بأدني قواعد المسئولية الفكرية أو الأمانة العلمية ، فيتلقف الفكرة بعض السذج من الجماهير ويرددونها بدون أدنى جهد ، حتي انتهينا إلي هذه النتيجة غير المُرضية ، من ثقافة السب والقذف والشتم ، والإفشال والهدم .

ولاشك أن الثقافة الحقيقية بريئة من هذه النتائج المتردية التي وصل إليها الحال علي يد المثقفون الجدد الذين قد تكون نيتهم نية تسويقية تشويقية شعبوية ، وليست نية فكرية علمية تثقيفية ، فمن المتفق عليه أن الثقافة الحقيقية هي التي تلجم اللسان عن السب والقذف ، وتحجم الفكر عن الإفشال والهدم ، كما أن هذه الثقافة الحقيقية هي التي تجعلك متعطشا وباحثا عن المزيد من المعرفة والثقافة .

أما التعطش للمصلحة والنفعية التي تقود للترويج لآراء باطلة فهي الخيانة الثقافية بعينها ، وغالباً ما يكون نصف المثقف منحازاً لمنفعته ومصلحته ، فتحكمه المنفعة الفردية ، حتى لو حاول تغطية هذا العيب بكثير من الأساليب التي قد تخدع الكثير من الناس عبر انتهاجه للتخفّي والتلون وفقاً للمستجدات في كل العصور .

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار