• logo ads 2

المستشار الدكتور محمد جبريل يكتب: “العملات الافتراضية والتحديات المستقبلية”

alx adv
استمع للمقال

لم يكن أكثر المتفائلين يتخيل أن يأتي اليوم الذي يكون فيه التبادل التجاري والتعامل الخدمي بالعملات الافتراضية بطريقة غير مرئية سوي لأطرافها عن طريق لمسة علي زر الموبايل ، فتنضم عن طريقها إلي عالم رقمي محرر من كل قيد ، ولا رقابة عليه لبنوك مركزية ، أو سلطات محلية أو دولية ، ولا سيطرة عليه لأي فرد أو مؤسسة .

اعلان البريد 19نوفمبر

 

ويرجع الفضل لذلك لثورة التكنولوجيا السريعة التي تمضي نحو تفعيل هذه العملات الافتراضية في كثير من الدول مثل اليابان والمانيا وهولاندا وكورويا الجنوبية والدنمارك واستراليا والعديد من الشركات مثل ميكروسوفت ، وديل ، وصب واي ، ولامبورجيني ، وتسلا .

حيث أن التطور التكنولوجي يدخلنا لعهد جديد يكون فيه التعامل في شتي المجالات افتراضيا عبر عالم رقمي فسيح ، تكون بداية العملية بناء علي عملات ونقود رسمية ، يتم بناء عليها شراء وحدات من العملات الافتراضية لتزول قيمة العملات والنقود الرسمية وتختفي في هذه الأخير العملات المشفرة أو الافتراضية ثم يتم التعامل بها في جميع المجالات في نطاق الكيانات التي تعترف بها ،فيتم تحويل مبالغ بالجنيه مثلا من المستثمر إلي المجموعات الفيسبوكية علي المنصات الالكترونية المخصصة لهذا الغرض ، فيتم تحويل مقابلها من وحدات النقود المشفرة إلي حساب المستثمر علي نفس المنصة .

 

وبالرغم مما توفره هذه العملات من مرونة وسهولة في التعامل ، إلا أن لها آثار ضارة سواء علي الفرد الذي يمكن أن يتعرض للنصب والاحتيال وضياع ماله ولن يجد ساعتها من يقف معه .

كما أن هذه العملات لها آثار ضارة علي الدولة ذاتها حيث تتزعزع الثقة في النقود الرسمية باستخدام العملات المشفرة التي لا تثبت علي قيمة متوازنة ، وأيضاً فأن هذه العملات الافتراضية يمكن أن تستخدم في عمليات غير نظيفة كغسل الأموال وتمويل الإرهاب .

ومن هذا المنطلق نحذر من مخاطر التعامل في هذه العملات ، فهي وسيلة من وسائل النصب والاحتيال ، التي يستخدمها النصابون المختفون خلف المنصات الرقمية ، في الإنترنت المظلم للسطو علي أموال الناس ، ويكون من الصعوبة بمكان اللحاق بهم أو الامساك بهم ، في ظل صعوبة إثبات هذه الجرائم ، ناهيك عن تقلبات قيم هذه النقود غير المتخيل ما بين الهبوط والصعود .

ولذلك فقد تدخل المشرع المصري لتقرير الحماية الجنائية للعملات والنقود الرسمية ، فكان التدخل لمنع التعامل بعملات غير رسمية افتراضية مشفرة تصدر من خلال شبكات ومنصات الإنترنت ، والتي يطلق عليها بتكوين أو لايتكوين أو ريبل أو نيمكوين أو بيركوين و غيرها من العملات والنقود المشفرة .

ولذلك يلزم التحذير في الوقت الحالي من التعامل في عملة البتكوين وأخواتها في مصر ؛ لأن المشرع المصري جّرم التعامل فيها وقرر عدم التخلي عن العملات و النقود الرسمية التي يتعامل بها الناس .

فمنذ بداية نشأة النقود عندما كانت عبارة عن ثمر علي الشجر ، أو سنابل قمحاً في الحقل ، أو قطعة ذهب أو فضة تتزين بها النساء للرجال كان لها رصيد يؤمنها ، ناهيك عن حمايتها تشريعياً ، وذلك عن طريق فرض الحماية الجنائية علي هذه العملات والنقود الرسمية للحفاظ علي قيمتها كأداة للتبادل والمقايضة ، وفي كل مراحلة من مراحل التطور كان القانون الجنائي حارساً وضامناً لها ، من كل المخاطر بداية من ضمان قيمتها أو تقليدها أو تزييفها أو تهريبها أو الامتناع عن التعامل بها .

 

وعلي هذا النحو يكون المشرع المصري هو الأسبق في تجريم التعامل بالعملات الافتراضية ، حيث تم حظر التعامل بها في مصر ، بموجب المادة ( 206) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 ، والتي تنص على أنه :- ” يحظر إصدار العملات المشفرة أو النقود الالكترونية أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها دون الحصول على ترخيص من مجلس الإدارة طبقاً للقواعد والإجراءات التي يحددها ”

ولقد وضعت المادة 224 من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي المذكور العقاب علي من يرتكب جريمة التعامل في العملات المشفرة و النقود الرقمية ، فنصت علي أنه :- ” مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب علي الجرائم المبينة في المواد التالية بالعقوبات المنصوص عليها فيها ”

وتنص المادة 225 من ذات القانون علي أنه :- ” يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز عشرة ملايين جنيه أو بأحدي هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المواد …و 206 …من هذا القانون ، وفي حالة العود يحكم بالحبس والغرامة معاً ” وعلي هذا النحو نثمن ونؤيد ما قام به المشرع المصري من حظر وتجريم التعامل بالعملات الافتراضية في الوقت الراهن ، حيث لا تتناسب الظروف الحالية مطلقاً مع استخدام هذه العملات الافتراضية ، في ظل غياب متطلبات التعامل بأمان فيها من حيث الضوابط أو الضمانات ، وكذلك عدم وجود تشريع دولي يؤكد ضمان التعامل فيها .

ولكن هذا الموقف من المشرع المصري قد يحتاج إلي تعديل وفقاً للتطورات والمستجدات القادمة ، فالذي يتأمل التطور التاريخي للنقود لا يستبعد عدم الاكتفاء بما هو متعارف عليه حالياً من العملات والنقود الرسمية التقليدية ، بل يكون علي يقين من الوصول إلي مراحل أخري متقدمة من التعاملات المالية ما زالت في طور التكوين ، ويظهر ذلك في التحول المذهل للنقود المادية بشكل تدريجي إلى صورة معلوماتية مجردة، تتقلص خلالها سيادة الدولة والبنوك المركزية وتصبح المعاملات المجردة هى الغطاء الوحيد لتلك العملات المشفرة أو النقود الرقمية ، وليس الغطاءات والأرصدة التي في البنوك .

فباستقراء التطور التاريخي للنقود منذ أن شعر الإنسان بحاجته إلى الأخرين من أجل إشباع حاجاته المتعددة، كانت المعاملات تتم بوسائط مختلفة مرت بالعديد من المراحل، بدأت بمقايضة بيضة بقطعة جبن ، أو حزمة من الحطب بحفنة من شعير ، ثم تطور الأمر لنصل إلي العملات المشفرة أو النقود الرقمية فيما يعرف بالبتكوين .

ولذلك فمن المتوقع ألا يتوقف الطموح الإنساني عند حد معين في مجال التعامل في النقود والعملات ، بالرغم من التحذيرات الرسمية من التعامل بهذه المستجدات لما يكتنفها من مخاطر النصب والاحتيال والاستخدام غير الآمن في عمليات غير مشروعة مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب ، وهو ما حدا بدار الإفتاء المصرية بإصدار فتوي بتحريم التعامل في العملات المشفرة أو النقود الرقمية ، وهو أيضاً ما دفع المشرع المصري في خطوة صارمة بتجريم التعامل في هذه العملات الافتراضية .

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار