“أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وضماناتها”

يعرف الذكاء بوجه عام بأنه القدرة علي إيجاد الحلول للمشكلات ، أو المهارة في الاختيار بين البدائل ، أو استخدام الخبرة المكتسبة في اشتقاق خبرات ومعارف جديدة .
أما الذكاء الاصطناعي فيمكن تعريفه بأنه ذلك الفرع من علوم الحاسب الآلي الذي يمكن بواسطته خلق وتصميم الحاسبات التي تحاكي أسلوب الذكاء الإنساني لكي يتمكن الحاسب من أداء بعض المهام بدلاً من الإنسان ،والتي تتطلب التفكير والتفهم والسمع والتكلم والحركة بأسلوب منطقي ومنظم .
ومن ثم فالذكاء الاصطناعي يتبدى من خلال الأجهزة والآلات والبرامج المصطنعة في الأساس عن طريق الذكاء البشري ، ويكون له القدرة علي تنفيذ الأوامر ، وردود الأفعال ، والتعلم واتخاذ القرارات بطريقة مستقلة .

مجال تطبيق الذكاء الاصطناعي

بات واقعاً أن الذكاء الاصطناعي أصبح من مستلزمات الحياة في العصر الحالي ، فأصبح قرين كل المجتمعات ، ويستخدم في العديد من المجالات ، العسكرية منها والأمنية ، والصناعية ، والاقتصادية ، والطبية وكافة الخدمات الأخرى ، و من التطبيقات الواضحة للذكاء الاصطناعي والتي اشتهر ظهورها علي الساحات السيارات ذاتية القيادة ، والطيارات التي بدون طيار ، والروبوتات .
وظهرت أهمية هذه التطبيقات فيما تقدمه في مجالات محاربة الجريمة وحفظ الأمن عن طريق الشرطة الاستباقية ، والأدلة الرقمية ، وفي الأعمال العسكرية ، تحليل البيانات ، والتعلم العميق وتوفير البدائل ، وتحليل الصور والفيديوهات .

الجانب السلبي للذكاء الاصطناعي

مما لا شك فيه أن هناك مخاطر وجوانب سلبية كبيرة للذكاء الاصطناعي ، ومن ذلك ما يلي :
التهديدات الأمنية : حيث تهدد هذه التقنيات بإلحاق الأذى بالإنسان ، فتكثر المخاطر التي تمس حق الإنسان في الحياة ، وحقه في الخصوصية ، فتقنيات الذكاء الاصطناعي توفر الوسائل القاتلة التي تتسبب في إنهاء حياة الإنسان بكل سهولة ويسر ، و لا أدل علي ذلك ما يحدث عن طريق الألعاب الإلكترونية التي تدفع الضحية لإزهاق روحه ، أو التخلص من حياته عن طريق الانتحار ، كما توفر هذه التقنيات الوسائل الخطيرة التي تجعل أسرار الإنسان وحياته عبارة عن كتاب مفتوح أمام الجميع ، ولا مجال لخصوصية في ظل تقنيات الذكاء الاصطناعي .
التهديدات الاقتصادية : فمن المؤكد أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهل ارتكاب جرائم الأموال من نهب واحتيال إلكتروني ، وسرقات إلكترونية ، وتقليد وتزوير العملات ، بالإضافة إلي ابتداع العملات الافتراضية كالبتكوين وغيرها والتعامل فيها عن طريق منصات الإنترنت ، ومن جهة آخري فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي ساعدت في ظهور القراصنة الإلكترونيين الذين يقتحمون أنظمة الأفراد والمؤسسات والتعدي عليها .
بالإضافة إلي أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لها دور في تهديد القوي العاملة البشرية في مقتل ، حيث تحل هذه التقنيات محل الأيدي العاملة ، وتقوم الآلة بما يقوم به عشرات العمال ، مما يؤدي إلي ظهور أزمة البطالة ، دون النظر إلي الجانب الاجتماعي لهذه الأزمة الخطيرة .
التهديدات الاجتماعية : من الظاهر للعيان تزايد الأمراض الاجتماعية الخطيرة في ظل تقدم الذكاء الاصطناعي ، حيث أدي ما توفره هذه التقنيات من خدمات وإمكانيات إلي تزايد ارتكاب جرائم الشرف ، والخيانات الزوجية ، والتهديد بالفضائح ، ونشر الصور الفاضحة ، التهديد بهتك الأراض ، وكشف الأسرار ، ما يؤدي بالتبعية إلي وقوع حالات الطلاق بكثرة ، وجرائم القتل للانتقام ، والانتحار للهروب من الفضائح ، وكل ذلك جاء نتيجة لما توفره هذه التقنيات من وسائل تساعد علي ارتكاب هذه الجرائم بكل سهولة .

 

تقنين أخلاقيات التعامل في الذكاء الاصطناعي

أصبح من المقطوع به أن جانب كبير من تقنيات الذكاء الاصطناعي باتت تعمل بشكل مستقل ، بعد أن تميزت بخصائص التعلم العميق ، وتمكنت من التصرف الانفرادي ، بما لها من قدرات إبداعية ،وملكات عقلية ذكية تجعلها قادرة علي الابتكار ، والابداع ،و التصرف ،والتحدث ،والحركة بصورة استقلالية دون أي تواصل بطرف خارجي .
وفي البداية نشير إلي أن هذه القدرات التي يمكن أن نعتبرها خارقة لا يوجد للأسف أي أطر قانونية تحكمها ، فأصبح من المعتاد أن يتم ارتكاب الجرائم عبر هذه التقنيات دون أن يكون هناك نظام يحكم هذه الجرائم ، وفلم يصل إلي علمنا حتي الآن أن هناك نظام قانوني أو تشريعي قد وضع القواعد القانونية التي تحكم تقنيات الذكاء الاصطناعي .
ولقد نشط الفقه في محاولة وضع الأطر القانونية والأخلاقية التي تحكم مجالات التعامل في تقنيات الذكاء الاصطناعي ، بوصفها كيانات مستقلة ذات أفعال ذاتية في بعض حالاتها ، ومن ثم يستشرف البعض أن يكون التعامل في تقنيات الذكاء الاصطناعي يخضع لمعايير محددة وهي :
أولاً : ألا يستخدم الإنسان – سواء أكان مصنع أو مبرمج أو مستخدم – تقنيات الذكاء الاصطناعي فيما يخالف القوانين ، ويضمن ذلك عدم الانسياق خلف التطور المخيف في ارتكاب الجرائم باستخدام هذه التقنيات .
ثانياً : ألا تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي من نفسها فيصدر عنها تصرفات انفرادية تخالف القوانين ، ويضمن ذلك تطور الذكاء الاصطناعي بصورة منضبطة ومقيدة .
ثالثاً : ألا يكون التعلم العميق للذكاء الاصطناعي بالصورة التي تتعارض مع تعليمات وأوامر الطرف البشري ، ويضمن ذلك عدم استقلال تقنيات الذكاء الاصطناعي عن سيطرة الإنسان

 

ضمانات تطبيق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

من أهم ضمانات تطبيق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي السعي نحو الاعتراف بالشخصية القانونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي ، وهو ما يعني الاعتراف لهذه التقنيات بتحمل الالتزامات واكتساب الحقوق ، وهذا الأمر يتيح الفرصة للمشرع لإخضاع شخصيات الذكاء الاصطناعي للمسئولية الجنائية كمساهم في الجريمة أو شريك فيها إلي جانب المصنع أو المبرمج أو المستخدم .
وتستند هذه الرؤية إلي أن الشخصية القانونية لا يشترط لقيامها الآدمية ، حيث سبق منح الشخصية القانونية لغير الإنسان ، وهذا الأمر ليس بدعة ، فقد تم الاعتراف بالشخصية القانونية للشركات والمؤسسات العامة ، وتم الاعتراف لهذه الكيانات بتحمل الالتزامات ، وتن إخضاعها للعقوبات الجنائية التي تتناسب مع طبيعتها كالغرامات والحل ، والغلق ووقف النشاط .
كما تم الاعتراف للحيوان بالشخصية القانونية في التشريع الفرنسي عام 2015 عندما دعت الحاجة لذلك بما يتناسب مع طبيعته نتيجة الحاجة القانونية لهذا الاعتراف .
ويلزم أن ننوه إلي أنه ليس معني منح الشخصية القانونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي تحملها المسئولية الجنائية عن الجرائم الواقعة منها بشكل منفرد ، فذلك يعد أمر غير معقول ، وإنما الاعتراف بالشخصية القانونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي يعني تحديد العلاقة بين شخصيات الذكاء الاصطناعي ( كالروبوت ) وبين الأشخاص الطبيعيين المرتبطين به من مبرمج ومصنع ومستخدم .
وعن طريق هذه الفكرة يمكن إشراك شخصيات الذكاء الاصطناعي في المسئولية الجنائية مع الأشخاص الطبيعيين ، بحسبان أن شخصيات الذكاء الاصطناعي أصبحت أمر واقع ، وكيانات ملموسة يصدر عنها تصرفات وأفعال منفردة ، غير متصلة بطرف خارجي .
وإذا علمت تقنية الذكاء الاصطناعي من خلال تعلمّها العميق أنها معرضة لعقوبة الإيقاف عن التشغيل ، أو حلها أو فكها أو تعطيل عملها بأي صورة في حالة ارتكابها لجريمة بصورة منفردة ومستقلة ، فلا شك أنها ستقوم بعملها في إطار قانوني منضبط .