• logo ads 2

المستشار محمد جبريل إبراهيم يكتب: فن إدارة الحياة 

alx adv
استمع للمقال

الحياة صعبة لا شك في ذلك ، وندعو الله أن يخرجنا منها سالمين لا لنا ولا علينا ، فنحن طالما علي وجه الأرض فلا بد من المواجهات والتحديات التي تخلقها الصعوبات والعقبات ، ومن ثم فلا بد من أمتلاك القدرات والمكنات التي تساعدنا علي إدارة هذه الحياة.

اعلان البريد 19نوفمبر

 

ومن هذه القدرات، فن إدارة العيوب الذاتية ، فكيف تتعامل مع عيوبك فتعالج ما يمكن علاجه منها ، وتتعايش مع ما يمكن التعايش معه ، فتتعايش مع الأمراض المزمنة، وضيق ذات اليد ، بشرط إلا تكون هذه العيوب سببا لتعطيلك أو إعاقتك ، فتكون كالثعبان الذي يحوي السم في جوفه ويعيش به فيكون بالنسبة له ميزة ليس مثلهاميزة .

 

ومن هذه القدرات أيضا ، فن التعامل مع الضغوط النفسية ، فهل تمتلك مدفن عميق لتخبئ فيه نفاياتك النفسية المؤلمة ، وتوئد فيه مصادر حزنك وألمك.

 

وفي المقابل هل تملك أدوات ووسائل لتستجلب منها مصادر سعادتك وراحتك.

ففي الوقت الحالي يجب علي المرء أن يمتلك مسببات ودواعي التخفيف عن النفس من الضغوط النفسية القاتلة، كما يجب عليه أن يحوز أدوات إزالة الهموم الثقيلة ، وإلا ستدوسه المتاعب ويبتلعه الهم والغم .

 

ولا مانع في هذا الصدد من الاستعانة بالعوامل المساعدة من ممتصات التعب، ومزيلات الألم ، كالطفل الذي تجلب له أدوات اللعب لكي يلعب بها ويمرح.

 

والنفايات النفسية التي تتزاحم في النفس ، إذا لم توأد ستتراكم كالعوادم الثقيلة، والأدخنة الكثيفة ، فلا تترك الإنسان إلا وهو فحمة مسودة و مستهلكة ، لا تصلح إلا لانبعاث الكآبة، ومورد للحزن.

 

فمن الأحوط إحكام الغلق علي هذه النفايات حتي لا تتسرب وتنتشر في باقي أعضاء الجسد ، ومن الأحري دفنها في بئر عميق.

ولكل منا وسائله في دفن هذه النفايات، ولكل منا تجاربه، ولعل في ذكر تجاربنا لبعضنا البعض زيادة في نقل الخبرات لجلب الراحة والسعادة.

فمنا من يجد في صلاته أو صدقاته أو دعواته مدفن محكم لكل المشكلات المعضلات.

 

ومنا من يجد ذلك في عزلته، أو في سفره، أو في تغافله.

وكلا له أدواته.

وأري أن أهم اداه هي التغافل، وعدم التركيز مع المنغصات.

 

أما الأداة الأخري من أدوات فن إدارة الحياة هي القدرة علي تغيير المسار، فالعقبة الكؤود التي وقفت في وجهك و سدت طريقك ، ونغصت عليك عيشتك ، حاول تحاشيها ، وانحرف عنها ، وتحايل علي تخطيها بأي طريقة ، ولا تقف عندها كثيراً مهما كانت الخسائر ، وكن جباناً في مواجهة هذه العقبة ، ولا تكن شجاعاً في تضييع وقتك وتبديد جهدك .

 

فالشمس الجبارة تغير مكان شروقها كل يوم ، فهي لا تشرق من مكان واحد طوال العام ، والنيل العظيم لا يجري في مسار مستقيم بل يغير مساره علي حسب طبيعة الوديان ، حتي النبتة الصغيرة إذا ما ارتطم برعمها بقسوة التربة مال إلي ناحية أخري سهلة حتي يشم الهواء .

 

وفي عهود سابقة قريبة كان التلميذ الذي يفشل في التعليم الإعدادي يحولونه إلي التعليم المهني ، والطالب الذي يستصعب التعليم الثانوي يتم تحويله إلي التعليم الفني ، وهكذا حتي يلاقي الطالب نفسه وينجح فيما حول إليه .

 

حتي في الحروب ، تعرف فنون الحرب الكر ، والفر ، و التحّرف لقتال ، أو التحيز إلي فئة ، كل ذلك لا يعد هروب ، بل تغيير مسار .

 

وحال الإنسان في الحياة يتلخص في الكر والفر ، أو الاخفاق والنجاح ، ولا يتعدى حال الإنسان إحدى الحالتين إما فشل، وإما نجاح، ومسرح الحالتين هو الحياة التي يعيشها ، ولا يتغير هذا المسرح من أجل الإنسان ، بمعني أن الدنيا لن تتغير من أجل إنجاح الإنسان، ولكن الذي يجب أن يتغير هو الإنسان ذاته لكي يحقق النجاح .

 

ومحل التغيير هنا ليس شكل الإنسان ولا طوله ولا عرضه، ولكن محل التغيير هو توظيف القدرات ، وإتيان السلوك الذي يغير المسار ، أو تجديد الذات ، أو عودة الروح ، أو إعادة بلورة الأمل ، كل ذلك يمكن أن نطلق عليه فن إدارة الحياة .

 

فإعادة بلورة الأمل تبعدك عن الوقوع في براثن الفشل الذي يحيط بجنبات الحياة ويحميك من الاستسلام له ، فالفشل والنجاح من متلازمات الإنسان يلازمانه كاسمه ، فمنذ ولادته وهو رضيع، يحاول الوقوف فيقع، ويحاول السير فيتعثر، ويحاول الكلام فيتلعثم ، لكن في النهاية ينجح إذا أصر علي النجاح ؛ لأن حياته تقوم علي النقيضين الفشل والنجاح، ويظل ناجحا طالما ظل مستمر في المحاولة ، ولا يفشل إلا عندما ييأس ويكف عن أكتشاف ذاته، وإدارة حياته .

 

وكلمة السر تكمن في فن إدارة الحياة ، فتستخدم قدراتك في إصلاح عيوبك ، ودفن منغصاتك ، وتخطي عقباتك ، أو تغيير مسارك ، فتغيير المسار كأحدي وسائل تحقيق النجاح ، هو الذي يجدد الأمل ، ويمنح الفرصة للبداية من جديد ، ويساعد علي تجديد الذات ، فالطفل الذي يحاول الوقوف بعد الوقوع تراه يقع ثانية إذا حاول الوقوف بنفس الطريقة ، ولكنه لن ينجح في الوقوف إلا إذا غير من طريقته ، وجدد في أسلوبه .

 

ولاعب الكرة الذي يسدد بنفس الطريقة، ولا يحاول أن يعدد من أساليبه، سيصبح عاديا، ويسهل إيقافه. ، والكاتب الذي لا يجدد من أسلوبه يصبح ممل، ويفقد جمهوره ، فلا بد من التجديد في الأسلوب حتي يتحقق النجاح ، فلا إبداع ولا نجاح مع السكون والكمون وعدم التجدد .

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار